يتواكب اليوم الوطني الـ44 لدولتنا الفتية مع يوم الشهيد؛ ما يجعل مشاعر الفرحة والاعتزاز تمتزج بجلال التضحية والبذل والفداء، في سيمفونية «إماراتية» خالصة، تعزف: «لا تسأل عمّا يمكن أن تفعله بلدك من أجلك، ولكن اسأل عمّا يمكنك القيام به لبلدك».

وفي عيدنا الوطني، لابد أنْ نستذكر سيرة خير الرجال الذين استشهدوا وهم يذودون عن حِياض الأمة وشرفها في قلب أرض العرب: اليمن، ويُسطرون بدمائهم أروع الصفحات في معركة الأمة الحقيقية لاستعادة روحها نقيةً كما كانت، وعودة لُحمة أبنائها، وتمهيد الدروب اليمانية لعودة اليمن عزيزاً إلى أهله وحكومته الشرعية، وجِهاد التدخل الأجنبي الذّي ألبس الأمة شيَعاً يُذيق بعضها بأس بعضٍ.

وفي عيدنا الوطني «الفريد» هذا العام، يجب أنْ نتساءل: ماذاْ تُمثل دولتنا لنا وللعالم؟

تجسد دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً اتحادياً رائداً في المنطقة، ومثالاً تنموياً فريداً مزدهراً اقتصادياً. فقد حققت الإمارات مُنجزاتٍ تنموية بشرية واقتصادية أقرب إلى الخيال، بعد أنْ كانت إمارات متفرقة مُتدنية التنمية قبل قيام الاتحاد. ومن ثم، ليس غريباً أنْ يصبح النموذج الإماراتي نفسه ملهِماً للدول والشعوب الأخرى.

وقد استطاعت قيادتنا الرشيدة بناء دولة مدنية عصرية، تزاوج بين الأصالة والمعاصرة، في وسط محيطٍ مضطرب ومعاكس، من خلال التوفيق المبتكر الذي أوجدته بين التراث والحداثة.

فقد عكفت قيادتنا الرشيدة على رعاية الثقافة الوطنية والتراث العربي والإسلامي، وأعطت اهتماماً كبيراً لبناء المساجد. وفي الوقت نفسه، خطت شوطاً بعيداً في تطوير المؤسسات على أسس مدنية حديثة، والنهوض بالاقتصاد وفقاً للمعايير العالمية، وتعزيز البنية التحتية بما يماثل ما حققته أكثر الدول رقياً في الغرب.

كما تُقدم الإمارات نموذجاً في المحافظة على التنوع الثقافي والعرقي، واستثماره، وفي التعايش السلمي بين الأعراق والملل والنحل المختلفة. ويدحض نموذج التسامح الإنساني الإماراتي بقوة احتمالات الصراع أو الصدام بين البشر أو الدول بسبب الاختلافات الثقافية، ولاسيما الدينية منها.

ويتصل بذلك أنّ الإمارات غدت منصة انطلاق فكرية لمحاربة الأفكار المتطرفة في العالم، من خلال مراكز التميز الدولية التي بادرت بها، وأسستها على أرضها، وفي مقدمتها مركز «هداية» للتدريب والحوار والبحوث في مجال مكافحة التطرف العنيف، و«مركز صواب» للتصدي للتطرف في الفضاء الإلكتروني، دون الحديث عن منتدى «تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» و«مجلس حكماء المسلمين».

والحقيقة أنّ دولة الإمارات تشغل دور المحور العالمي، الذي يصل بين مختلف الدول والثقافات والمؤسسات في أنحاء العالم المختلفة، وتتطلع لجعل عاصمتها، أبوظبي، قطباً ثقافياً بارزاً، يزاوج بين الأصالة والحداثة، تقصدها الذائقة الثقافية والفنية، وليس فقط مكاناً لتلاقح الثقافات. وهنا، لابد من الإشارة إلى مشروع جزيرة السعديات الثقافي العملاق.

ومن الثقافة إلى الاقتصاد، أصبحت الإمارات رائدة في مجال الطاقة المتجددة، ليس على المستوى الإقليمي وحسب وإنما على المستوى الدولي كذلك. كما تقود دولة الإمارات المنطقة حالياً في بناء محطات لتحلية المياه تُدار بواسطة الطاقة المتجددة (مشروع غنتوت مثلاً). ويشكل استضافة أبوظبي المقر الرئيسي لـ«الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» (آيرينا) اعترافاً عالمياً بالريادة الإماراتية في هذا القطاع.

علاوة على ذلك، ترصد تقارير دولية ذات صدقيةٍ عالية المستوى كيف جعلت قيادتنا الرشيدة دولة ابتكار، بحق، على ضفاف الخليج؛ حيث تتصدر الإمارات سائر الأقطار العربية في معايير ومؤشرات الابتكار والحكومة الإلكترونية. ويواكب التطور الذي تشهده الدولة، في هذا المجال، نظيره في الدول المتقدمة أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وولجت دولة الإمارات، بفضل الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، نادي الفضاء الدولي، وأعلنت رسمياً عن دخولها السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي»؛ من خلال مشروع تصميم أول مسبار عربي وإسلامي، بقيادة فريق عمل إماراتي، لاستكشاف الكوكب الأحمر «المريخ».

بل إنّ القيادة الرشيدة أعلنت أنّ «هدفنا أن تكون الإمارات ضمن الدول الكبرى في مجال علوم الفضاء قبل 2021». كما تحوز الدولة أقماراً صناعية للاستخدامات المدنية والعسكرية؛ ما أضاف نوعياً إلى وزن الدولة الاستراتيجي وسمعتها الدولية في مجال التكنولوجيا.

وأخيراً وليس آخراً، أصبحت الإمارات نموذجاً عالمياً يحتذى في تقديم المساعدات الإنسانية، والاقتصادية عموماً، للدول والشعوب الأقل حظاً في العالم، وفي مواجهة الأزمات والكوارث الدولية، وجعلت الدبلوماسية الإنسانية «أحد الأعمدة الرئيسة لسياستنا الخارجية». وقد نال الدور الإنساني لدولة الإمارات اعترافاً عالمياً متزايداً؛ فهي من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية، مقارنة بالدخل القومي الإجمالي...

وفقاً للأمم المتحدة؛ وهي الجهة المانحة الأولى عالمياً كأكثر الدول المانحة للمساعدات الإنمائية الرسمية مقارنةً بدخلها القومي الإجمالي، طبقاً لتقرير منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. والأهم من ذلك أنّ دولة الإمارات تقدمت، في مجال العطاء الإنساني، على دول ذات سمعة عالمية طيبة في هذا المجال كالنرويج والسويد ولوكسمبورج.

هذاْ ما تُمثله «إماراتنا» لنا وللعالم فماذاْ نُمثل نحن لها؟!