أتصور أنني لست وحدي في الإحساس بالصدمة عندما عرفت أن مصر المحروسة التي كانت "قلادة جيد الدهر" في يوم من الأيام والتي كانت جامعتها الأم ـ جامعة القاهرة ـ هي مقصد الطلاب والباحثين من أنحاء الوطن العربى كله. بل ومن أفريقيا أيضاً. مصر أصبحت في ذيل الدول من حيث جودة التعليم كما جاء في دراسة دولية ذات مصداقية إذ جاء في هذا التقرير أن مصر في مركز قبل الأخير في جودة التعليم من اجمالي مئة وأربعين دولة في حين جاءت دولة الإمارات العربية في المركز العاشر. تهنئة لدولة الإمارات وأسفي العميق لما وصل إليه الحال عندنا.

لم أرتبط بمكان في القاهرة قدر ارتباطي بكلية الحقوق في جامعة القاهرة منذ أن كنت شاباً أتلقى العلم في مدرجاتها على أيدي أساتذة عظام أو الآن وأنا ألقي محاضراتي وأناقش بعض رسائل الدكتوراه بين الحين والحين ولكني سأتجاسر وأتساءل هل نحن في حاجة إلى هذا العدد الهائل من كليات الحقوق "كل جامعة حكومية فيها كلية للحقوق. والمناهج هي هي وطرق التدريس هي هي والاختلاف الوحيد هو في الأساتذة الذين يقومون بالتدريس هنا أو هناك.

كليات الحقوق وقبلها وأكثر منها كليات التجارة كل ما تنتجه هو إضافة للبطالة بكل ما تعنيه البطالة من أمراض.

يقيناً لسنا في حاجة إلى كل هذه الكليات. تكفى كلية حقوق واحدة وكلية تجارة واحدة. على أن يرتفع مستوى القبول في كل منهما بعد الثانوية العامة.

أنا أعرف قبل غيري مدى صعوبة هذا الإجراء ولكنني أحاول أن أصل إلى معالجة "جذرية" لقضية التعليم.ثم ماذا بعد ذلك؟

أتصور أن مدارس التعليم الفني المختلفة هي ما نحتاج إليه في الداخل وما يمكن تصديره ـ إن أحسن إعداده – إلى الخارج و أحب أن أشير إلى كتاب مهم هو "التعليم ومستقبل مصر" ـ رؤية واقعية وخطة عملية. ومؤلف هذا الكتاب هو الأستاذ الدكتور وجدي زيد الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة.

وفي هذه الدراسة القيمة يقارن الدكتور وجدي زيد بين كثير من أنظمة التعليم في العالم ويشير إلى التقرير الذي صدر في أميركا عام 1981 تحت عنوان "أمة في خطر" والذي يقول في مقدمته "إن تنمية التعليم أهم من تنمية أقوى صناعة أو أقوى جيش ذلك لأن التعليم هو حجر الأساس لكل ذلك".

لو أردت أن اقتطف من كتاب الدكتور زيد فأغلب الظن أنى سأنقل الكتاب كله.

يقرر المؤلف أن المانيا هي أكثر الدول نجاحاً واستقراراً في العملية التعليمية لأسباب يوردها كالتالي:

1- استطاعت ألمانيا إزالة الفواصل والتمايز والعراقيل بين مستويات وتخصصات التعليم، بين التعليم ومجال العمل (النظرية والتطبيق)، بين أصحاب الياقات البيضاء وأصحاب الياقات الزرقاء، بين المدرسة والمجتمع من خلال:

أ- الدمج الكامل بين التعليم التكنولوجي والفني والتعليم العام.

ب- خلق هياكل تعليمية مرنة ومفتوحة.

ج- مراعاة الاحتياجات الفردية للتعليم وتطوير المهن والأعمال، واعتبار الخبرة جزءاً أصيلاً لا غنى عنه للتعليم.

د- خلق ثقافة مجتمعية (تتعلم) وتسمح للأفراد على كل المستويات أن يطوروا بشكل دائم ومستمر مهاراتهم العملية والمعرفية، وأن يشاركوا وبقوة في الاستفادة من مزايا التغيير التكنولوجي والاقتصادي في المجتمع.

وفي ختام هذا المقال أرجو من الزملاء الأفاضل وزراء التعليم العالي والتعليم العادي والتعليم الفني أن يهتموا بهذه الدراسة القيمة التي أعدها وبإخلاص زميل لنا في كلية الآداب جامعة القاهرة لم أسعد بمعرفته قبل الآن. وسأحاول أن أسعى للتعرف عليه.

والله المستعان