استمعت للمطران عطا الله حنّا ما يقرب من ساعة على قناة النيل للأخبار، ثم قرأت له حديثاً صحافياً في الأهرام منذ بضعة أيام، وأستطيع أن أقرر بكل وضوح وموضوعية - وأنا لم أشرف بمعرفة المطران عطا الله من قبل- أنه لو كان كل الفلسطينيين مثله لما ظّلت مشكلة المسجد الأقصى بل ومشكلة فلسطين كلها مستمرة حتى اليوم. تقول الأهرام إن «المطران ارتبط اسمه بالمدينة المقدسة في فلسطين، وبمعركة المصير التي يخوضها هو وقلة قليلة من الرجال.. في صوته يبدو الموقف واضحاً حاسماً صارماً».

ويقول المطران في بداية حديثه: «أوجّه التحية لمصر التي نحترمها ونثمن دورها، ونتمنى لها مزيداً من الاستقرار والرقي، ولا سيما أننا نعتقد أن قوة مصر هي قوة للأمة العربية عامة وللقضية الفلسطينية خاصة».

والحقيقة أنني لو أردت أن أنتقي بعض الشواهد المعبرة من الحديث لكان ذلك عسيراً، لأن كل عبارة بل أقول كل كلمة في الحوار تستحق أن نذكرها ونقدرها.

ويؤكد قداسة المطران أن كل الإجراءات والقوانين التي يصدرها الكنيست الإسرائيلي هي إجراءات غير شرعية وباطلة وفقاً لقواعد القانون الدولي، حيث ان إسرائيل هي سلطة احتلال كل ما يصدر عنها يعتبر باطلاً، ويجب أن يزول. ويؤكد المطران على أن إسرائيل تسعى بكل قوتها لبسط سيطرتها ونفوذها على القدس، ولكنها لن تتمكن من ذلك بسبب صمود المقدسيين وثباتهم، وتمسكهم بمدينتهم وبأرضهم وعروبتهم.

إن إسرائيل تعامل الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، على أنهم عناصر وافدة على حين أن العكس هو الصحيح. الفلسطينيون يعيشون على أرضهم والإسرائيليون هم الذين جاؤوا من الشتات ليحتلوا هذه الأرض. وهنا يقول قداسته: «نحن لا نعرف غير فلسطين وطناً لنا ومتعلقون بكل حبة ثرى فيها. نحن لن نستسلم لإسرائيل ولأطماعها، فالقدس لنا وستبقى لنا، وسنبقى نناضل معاً مسيحيين ومسلمين من أجل هذه الأرض واستعادة حقوقنا السليبة».

ومن المطمئن أيضاً أن المطران حنا أكد أن إسرائيل فشلت في شق الصف الفلسطيني إلى مسلمين ومسيحيين، مشيرا إلى ان المسيحيين الآن في فلسطين لا يتجاوزون الواحد في المئة من سكانها، في حين أنهم كانوا قبل الاحتلال يمثلون ربع سكان فلسطين، والذي يتحمل مسؤولية إفراغ فلسطين من سكانها المسيحيين هو الاحتلال البغيض.

تحرص إسرائيل على عرقلة ما يوصف بأنه مفاوضات سلام، وهي ترفض كل قواعد القانون الدولي، ومنها العودة إلى حدود 1967 وعودة الفلسطينيين الذين شردوا من أرضهم وهُجّروا رغماً عنهم، باختصار هي ترفض كافة المطالب العادلة للفلسطينيين.

يقول الصحافي الراحل الكبير اريك رولو، المصري المولد يهودي الديانة، في كتابه «في كواليس الشرق الأوسط»: «لقد اسبغ بن غوريون مصداقية على أطروحة الكاتب الإسرائيلي مارك هليل، التي أحدثت صخباً في ذلك الوقت إذ نشر كتاباً بعنوان إسرائيل في مواجهة خطر السلام، يشرح فيه لماذا قد تؤدي تسوية النزاع مع العرب إلى تسديد ضربة قاتلة للمشروع الصهيوني».

وفى إجابة على أحد أسئلة رولو، خلال حواره مع بن غوريون عام 1965، رفض الأخير رفضاً قاطعاً عرض التسوية الذي كان قد صاغه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فهو لم يكن مستعداً للقيام بخطوة من أجل المصالحة.

لكن في النهاية، سينتصر الفلسطينيون بإصرارهم وتشبثهم بأرضهم، ولأن فيهم رجالاً مثل المطران عطا الله حنا.