على مدى السنوات الأربع الماضية أصبحت سوريا ساحة مفتوحة لصراعات الدول الكبرى والإقليمية سعياً لإعادة توزيع السلطة والنفوذ في الإقليم ككل بما يتناسب مع مصلحة كل دولة من الدول المتنافسة.
ولأنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل تحقيق كل مصلحة على حدة، فقد تسابق الجميع في خلق ودعم معارضة أو فصائل موالية له تقوم نيابة عنه بحروب بالوكالة، وبذلك تأسست عشرات التنظيمات المحلية المتطرفة والمسلحة بالضرورة وتدفق عليها الآلاف من المقاتلين الأجانب. حتى باتت الأراضي السورية تضم أكبر عدد من الإرهابيين والميليشيات المسلحة المتحاربة السنية والشيعية.
وفي ظل هذه الظروف نما تنظيم داعش وحقق نجاحات مذهلة مستغلاً هذا الكم الهائل من المتناقضات والأجندات الخاصة التي تعطي له القدرة على الاستمرار.
وبالتالي فإن الحديث اليوم، وبعد أحداث باريس وقبلها إسقاط الطائرة الروسية على يد نفس التنظيم في سيناء، عن القضاء على داعش وليس فقط إضعافه كما كان يحدث من قبل، سيظل يثير الكثير من التساؤلات عن وجود استراتيجية جديدة بالفعل، ولنتأمل هنا بعض المشاهد الكاشفة عن حجم التعقيدات على أرض الواقع.
مشهد أول، فرنسا مدفوعة بهول ما حدث لها تشارك روسيا الضربات الجوية والعمليات العسكرية ضد داعش في سوريا ولا تمانع في الاستعانة بقوات النظام السوري استجابة للنصيحة الروسية.
مشهد ثانٍ، تركيا وهى عضو الناتو الذي تتزعمه الولايات المتحدة، تُسقط طائرة حربية روسية فوق الأراضي السورية في خضم المعركة الدائرة متعللة بأنها اخترقت المنطقة الآمنة الملاصقة لحدودها، حيث يقطن حلفاؤها من التركمان.
مشهد ثالث، تركيا تعتبر معركتها في سوريا هي بالأساس ضد الأكراد، والقوات الكردية هي الآن في طليعة محاربي داعش، وأميركا حليفة الطرفين لا تثق فيما يتعلق بهذه المواجهة إلا في الأكراد الذين يحققون انتصارات فعلية على الأرض.
وفي المقابل، لا تتطابق الأجندة الروسية مع مثيلتها الإيرانية رغم ما بينهما من تحالف.
فطهران بدأت الانفتاح على الغرب وتحديدا واشنطن، ومشروعها الإقليمي التوسعي، الممتد إلى الخليج (حيث تشهد اليمن الآن حربا عنيفة) ليس هو مشروع موسكو المتمركز حول الساحل السوري، ولن تخوض روسيا حربا مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، أشد رافضي المشروع الإيراني، ولذلك قررت التدخل العسكري المباشر في سوريا رغم التواجد المكثف للقوات الإيرانية هناك.
مشهد رابع، القضاء على داعش يحتاج إلى معركة برية، فمن سيتولاها بعدما أعلنت أميركا في البداية امتناعها عن هذا الخيار ثم تبعتها روسيا، والبدائل التي طرحت كالآتي، قوى إقليمية أو عربية مشتركة ولكن من وما الذي يمكن أن يجمع إيران بتركيا بالأكراد بالسعودية بمصر بالأردن بقطر فضلاً عن عشرات الميليشيات المسلحة!
بديل آخر يتمثل في القبائل المحلية، ولكن قدراتها ستكون أقل من القيام بمهمة من هذا النوع، وخيار أخير لا يتمتع بالحد الأدنى من التوافق وهو الاعتماد على قوات النظام أي الجيش السوري، وبالتالي فهو غير ممكن عملياً.
مشهد خامس، حلول سياسية خيالية، كان أبرزها الاقتراح الروسي بإجراء انتخابات جديدة تجمع طرفي الحكم والمعارضة في سوريا، وكأن حربا أهلية لم تقم وأن المعارك المشتعلة على الأرض قد حُسمت! بل وفور الإعلان عن الاقتراح سارعت واشنطن بالتصريح بأنه لا مكان لبشار في المرحلة الانتقالية وتبعتها الرياض بالتصريح بأن الحلول العسكرية لتنحيته مازالت قائمة.
مشهد سادس، يتعلق بالمعارضة السورية التي بات من الصعب على أي طرف تعريفها أو الاتفاق عليها سواء تلك السياسية المجتمعة تحت مظلة الائتلاف الوطني أو المسلحة التي بدأها الجيش السوري الحر قبل أن تتبعه قوات مسلحة معارضة أخرى. في ظل كل هذه المشاهد الفوضوية، كيف سيكون حل الأزمة السورية؟
إن الرحيل الفوري لبشار دون وجود بديل سيؤدي حتما إلى مزيد من التفكك والارهاب، والإبقاء على نظامه الحالي رغبة في استمرار شبكة المصالح الدولية والاقليمية التي تربطه بكثير من هذه القوى لم يعد ممكنا أيضا على المدى الطويل حتى روسيا ذاتها تعترف بذلك، ونفس الشيء قد ينطبق على من يرون فيه ضمانة للحفاظ على كيان الدولة.
هل يكون حلاً طائفيا على غرار اتفاق الطائف الذي رعته السعودية في لبنان إبان الحرب الأهلية؟ هل يكون التقسيم وإقامة دويلة علوية هو الحل التوافقي هذه المرة؟
خاصة وأنه لم يكن هناك رفض ولا مواقف حادة من أميركا على التدخل العسكري لروسيا هناك، بمعنى أن باب الصفقات مازال مفتوحا. إن كل شيء جائز في ظل الفوضى الحالية، المهم ألا يضيع الهدف الرئيس وسط ازدحام هذه المشاهد أي الحرب على داعش!.