كنت أناقش رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة القاهرة لباحث عراقي، والذي يقرأ هذه الرسالة التي تستعرض التاريخ العراقي من أيام العثمانيين، ثم الاحتلال البريطاني، ثم فترة الاستقلال، وبعد ذلك حكم البعث ثم احتلال أميركا للعراق عقب غزو صدام للكويت، ولم يكن احتلال أميركا للعراق من أجل عيون الكويت.

وإنما أساساً من أجل أن تنهي الوجود العراقي من على الخريطة العربية، تمكيناً لربيبتها وحليفتها إسرائيل، لكي تواصل عدوانها على فلسطين والفلسطينيين وعلى المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين – الذي يقرأ هذا التاريخ، يدرك بوضوح مدى ما يعانيه الشعب العراقي الآن- في هذه الأيام التي نعيشها - نتيجة كل مآسي التاريخ الطويل الذي أشرنا إليه.

ومع ذلك، فإن هذه المرارة كلها ليست الموضوع الأساسي لهذا المقال، وإنما الموضوع الأساسي له، عبارة وردت في صدر تلك الرسالة، ولم يتناولها الباحث بالشرح أو التفسير أو الاهتمام الذي تستحقه هذه العبارة، تقول «لماذا تتباعد أمم مع اقترابها من بعضها، ولماذا تتقارب أمم رغم ابتعادها عن بعضها؟».

استوقفتني هذه العبارة، وجعلتني أحس بمرارة قديمة متجددة.

الجامعة العربية التي يمكن أن نقول إنها نوع من الاتحادات الكونفدرالية، تأسست قبل هيئة الأمم المتحدة ببضع سنين، وقبل الاتحاد الأوروبي بسنوات طويلة.

وإذا رأينا ماذا يحدث عندنا في الدول التي تتكون منها الجامعة العربية، والدول التي يتكون منها الاتحاد الأوروبي، وجدنا أن كل العناصر التي تدعو إلى التقارب، بل والتوحد، موجودة لدى الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وعلى عكس ذلك الدول المكونة للاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، فإن الدول العربية على حالها من التشرذم والتفرق .لماذا هذه الظاهرة العجيبة؟!

إذا نظرنا إلى الدول العربية في الشرق العربي، وإلى أقصى المغرب العربي، لوجدنا أن هذه الملايين جميعاً يتكلمون لغة واحدة، هي اللغة العربية – وإن اختلفت اللهجات – ولكن العربية الميسرة أو التي نسميها أحياناً لغة الصحافة أو الإذاعة، يفهمها الناس جميعاً في هذا الفراغ الهائل.

كنت في بلد من بلاد المغرب العربي منذ فترة قريبة، وكالعادة، بعد أن فرغنا من العمل الذي اجتمعنا من أجله، وبدأ الكلام والنقاش في الأمور العامة، إذ بهم يقولون لي، كلمنا عن جمال عبد الناصر وعن أم كلثوم. هذان هما العلمان اللذان نلتقي تحتهما جميعاً. وهناك شواهد كثيرة علي هذا القول. لننظر إلى كيف كان الناس من مشارق الوطن العربي إلى مغاربه، يحتشدون حين كان يتكلم عبد الناصر.

أنظر إلى الدين الغالبية العظمى التي تصل إلى أكثر من ثمانين في المئة تدين بدين واحد، وإن حاولت بعض القوى أن تفرق وهي تفرقة لا يعرفها صحيح الإسلام.علي كل حال، هذا هو حال الأمة العربية، من حيث لغتها ودينها وقوتها الناعمة متمثلة في فنونها.

أعتقد أن لدى شعوب هذه الأمة، هناك من عوامل الوحدة الكثير والكثير مما كان يستدعي توحداً أكثر وتقارباً أكثر وتعاوناً أكثر.

ووالسؤال هو: لماذا لم يحدث ذلك ؟ ونرجئ الإجابة عن هذا السؤال الآن. على الناحية الأخرى، خذ بلاد الاتحاد الأوروبي التي يتكلم أهلها لغات متعددة، والذين تتعدد كنائسهم بين كاثوليكية وبروتستانتية، بل وأرثوذكسية أيضاً، في شرق أوروبا.

وبرغم اختلاف اللغة واختلاف الكنائس، فإن دول الاتحاد الأوروبي، استطاعت أن تقيم اتحاداً يواجه العالم. أن حرية الشعوب في ناحية – أقصد الاتحاد الأوروبي - ووجود التخلف الحضاري والسياسي في ناحية أخرى، قد يكون هو السبب في التفرق والتشرذم.