تقديري أن كلمة وطن، تعني في مجملها «الأمان» الوطني الذي يعطينا الشعور بالأمان. وإذا فقد الإنسان الشعور بالأمان في وطنه، هان عليه أن يتركه، بمعني أن يهجره أو يهاجر منه.

وقد سمعت هذا التساؤل في إحدى القنوات التلفزيونية المصرية قبل نشرتها للأخبار، تقول: يعني إيه الوطن، يعني حدود ولا أرض ولا «حالة شجن»، تقديري أنه يعني أكثر ما يعنيه «حالة شخص».

وقد سألت عدة أشخاص من القريبين مني والمختلفين في مستوى التعليم ومستوى التعبير ومستوى الثروة، فجاءت مع ذلك إجابتهم، وإن اختلفت في معناها اللغوي، فإنها اتفقت في مضمونها وفحواها.

قال أحد من سألتهم، هي داري وزوجتي وأحفادي ورزقي، وقال آخر ما يقرب من هذا المعني، قائلاً هي قريتي وأهلي وناسي ومنامي، وقالت سيدة على قدر من الثراء، وأتاح لها ثراؤها أن تسافر إلى كثير من بلاد العالم، قالت هي الحضن الكبير، وهي أهلها ونيلها، ثم أضافت، كدت أتعثر مرة وأنا أسير في أحد شوارعنا، وكان بالقرب مني شاب لا أعرفه ولا يعرفني، وأظن أن سني لم يكن مصدر إغراء له، فأنا على الأرجح أكبر من أمه.

ولكن مع ذلك، بمجرد أن رآني أتعثر، تقدم لمساعدتي بكل حنان ومودة، وظل يساندني إلى أن طلبت سيارة أخذتني إلى منزلي. أين في بلاد الدنيا الكثيرة التي زرتها، كنت سأجد ذلك، لا أحد يهتم بأحد. كل مشغول بنفسه، ولا غير نفسه. حقاً، الوطن هو الشعور بالأمان.

لماذا هاجر الناس من العراق، وهي بلد من أقدم بلاد الحضارات، ومن أغني بلاد العالم بالثروات، هاجروا منها لأنهم فقدوا الإحساس بالأمان فيها.

ولماذا هاجر الملايين من سوريا، بلد الجمال والحب، إلا لأنهم فقدوا الأمان في ذلك البلد، الذي كنا نقول عنه في الماضي «وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ».

أو كنا نقول «سَلامٌ مِن صَبا بَرَدي أَرَقُّ.. وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشق»

عندما لحقت بها محن، هي أقل مما هي فيه الآن بكثير.

ولهذا يتمسك المصريون، أو غالبيتهم العظمي، بالتشبث بالبقاء على أرض مصر، ولماذا يقسم الفلاح المصري البسيط «بغربته»، إذا اغترب عن قريته، وذهب إلى المدينة سعياً إلى العمل أو إلى التعليم.

يتمسك المصريون بأرضهم، رغم المعاناة الاقتصادية لدى الغالبية من الشباب، لأنهم يشعرون وهم على أرضها بذلك الإحساس بالأمان. يشعرون، كما قالت السيدة التي سألتها، أنها هي الحضن الكبير، الذي يجعلهم يحسون بالحنان والأمان.

وإذا كان هذا في تقديري هو معني الوطن، فما معنى الدين؟، ولا أقصد ديناً معيناً، وإنما أقصد جوهر الدين.

الدين هو الذي يعطينا نوعاً من الأمان النفسي، وشعوراً قوياً بعدم الضياع. وكما قال أحد الشعراء «حيث لا دين فلا أمان».

ليت العرب، كل العرب، يدركون ما الذي يعنيه أن يظل الأقصى أسيراً لدي هؤلاء البغاة، ويهبون لنجدة أولى القبلتين وثالث الحرمين.

وفي الختام، أكرر ما قاله أحد المطربين العرب في بلد من بلاد العروبة القلقة «خذوا المناصب والمغانم.. بس سيبوا لي الوطن».

وما قاله أمير الشعراء، أحمد شوقي، رحمه الله:

وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي

حفظ الله مصر.

وحفظ أرض العروبة كلها.

والله المستعان.