الاتفاق بين الحكومتين المصرية والسعودية، بخصوص جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند المدخل الجنوبي لخليج العقبة في البحر الأحمر، أثار ردود فعل واسعة في المجتمع وهي ردود كاشفة لعديد من السلبيات التي تعتري حياتنا السياسية وساحة النقاش العام..
والتي تتجاوز الموضوع المباشر للجزيرتين ذاتهما. فكثير من دول العالم شرقاً وغرباً تشهد مثل هذه المسائل الحدودية، دون أن تُحدث هذه الضجة أو تُخلط فيها الأوراق أو تُتخذ كذريعة لطرح مطالب أخرى أو تكون سبباً لإطلاق دعاوى التخوين.
لقد أصدرت الحكومة بياناً ومستندات توضح تاريخ الجزيرتين اللتين كانتا تحت الإدارة المصرية منذ 1950 (أي بعد حرب 1948) بموافقة سعودية، إلى أن احتلتهما إسرائيل في 1967 مع استيلائها على سيناء حتى استرجعتهما مصر بعد انتصار 1973 واسترداد سيناء 1982.
إلى أن صدر القرار الجمهوري رقم 27 لسنة 1990 بتحديد نقاط الأساس لقياس حدود المياه الإقليمية والمنطقة الخالصة لمصر، الذي بموجبه خرجت تيران وصنافير منها، وأنه وطوال المدة المتبقية جرت مفاوضات لتسليمهما إلى السعودية وشُكلت لجنة لتعيين الحدود في 2010 انتهت بالاتفاق الحالي (9 أبريل 2016).
إذن، ليس هناك ما يبرر التشكيك في الدولة المصرية على هذه الخلفية، طالما لم تُقدم وثائق دامغة على الجانب الآخر المعترض على الاتفاق تُثبت العكس، المسألة في النهاية تحكمها حقائق وأدلة ملموسة وفقاً لقواعد القانون الدولي. ولكن هذا لا يمنع إبداء ملاحظات أساسية على المشهد برمته.
أولاً، كان يجب عدم الإبقاء على سرية المفاوضات التي جرت منذ عدة سنوات مضت، حتى إن الرأي العام لم يكن يعلم أصلاً أن هناك إعادة ترسيم للحدود البحرية، وأنها تعاملت مع ملف معروف سلفاً أنه سيثير الكثير من النقاش، بمنطق بيروقراطي يقتصر على الفنيين والخبراء.
ثانياً، إننا ما زلنا نفتقد لغة الحوار رغم كثرة المنابر الإعلامية، فالصوت العالي والشجار هو الغالب دائماً.
ثالثاً، قوى المعارضة بتنوع تياراتها تلتقط أي قضية خلافية للتعبير عن مجمل إحباطاتها أو رفضها لبعض السياسات العامة، مما يفاقم من المشكلات الطارئة أو القضايا التي قد تكون -بحكم التعريف- خارج سياق مطالبها السياسية المباشرة، أما الأخطر فهو سرعة توظيف الإخوان لاستغلال نفس القضايا لإشعال »ثورة غضب« جديدة.
رابعاً، استمرار تجاهلنا لما تفرضه المعاهدات الدولية والإقليمية على الدولة من التزامات، وهذا ينطبق على من عبر قولاً أو كتابة عن »دهشته« أو »صدمته« من إطلاع مصر إسرائيل على التسوية الجارية للجزيرتين، رغم أنه أمر مفروغ منه، لأنهما جزء من الترتيبات الأمنية المتضمنة في اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 1979، التي تنص وتضمن حرية الملاحة في خليج العقبة..
ودون ذلك يصبح الأمر وكأنه إعلان حرب مثلما حدث في 67 بإغلاق مضيق تيران، ولهذا السبب توجد عليهما قوات حفظ سلام دولية وقوة شرطية مصرية ذات تسليح خفيف. ولأن السعودية ستصبح ضمنياً طرفاً ثالثاً في هذه الاتفاقيات بعد استلامها لهما فقد سارع وزير خارجيتها بالتصريح بالتزام بلاده بما التزمت به مصر.
خامساً،الصورة الكلية للنظام الإقليمي لم تعد تعتمد على مبدأ القيادة الإقليمية الوحيدة أو المنفردة، وأن توازنات القوى لم تعد تسمح بذلك، وإنما يعاد تشكيل التحالفات الإقليمية لمواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة وفقاً للمصالح والتوافق حول الملفات الإقليمية المفتوحة وهي كثيرة، من سوريا والعراق ولبنان إلى اليمن وليبيا والحرب على الإرهاب، خاصة تنظيم داعش..
فضلاً عن تزايد النفوذ الإيراني وما يستتبعه من تفاقم ظاهرة الحروب بالوكالة، دون أن يعني ذلك بالضرورة التطابق في جميع المواقف أو وجهات النظر بين الدول المتحالفة فيما بينها. وهذا هو الإطار الأوسع لعلاقة مصر بالسعودية في اللحظة الراهنة.