اقتربت مرحلة الحسم في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأصبح فوز هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري شبه مؤكد، لتكون المنافسة النهائية في الانتخابات العامة نوفمبر القادم بينهما.

ولا شك أن مثل هذه الانتخابات وما يصاحبها من مناظرات سياسية تحظى باهتمام كبير، ليس فقط محلياً وإنما أيضاً دولياً لما للسياسة الأميركية من تأثير على كثير من مناطق العالم ومنها الشرق الأوسط بالطبع. والسؤال المتجدد هنا، هل هناك فارق بين الديمقراطيين والجمهوريين بحيث ننتظر تغييراً جوهرياً في السياسات الحالية إزاء المنطقة؟

هناك ملاحظة عامة وهي غياب الأهداف والتصورات الكبرى بل والخيال السياسي عن تلك المناظرات، فلم نشهد صراعاً على الأفكار بقدر ما حملت من اتهامات متبادلة قادتها إلى »شخصنة« الأمور والدخول في قضايا فرعية، ولم تخرج عن التركيز التقليدي على القضايا الداخلية المعتادة التي تميز بين الحزبين الديمقراطي (الذي ينحاز إلى الطبقة الوسطى ويتبنى نهجا ليبراليا).

والجمهوري (بانتمائاته إلى طبقة الأثرياء وطابعه المحافظ) أما على مستوى السياسة الخارجية وهو ما نتوقف عنده، فالواقع، ورغم ما قد توحي به بعض السمات الظاهرية من اختلاف.

إلا أن ذلك ليس صحيحا على اطلاقه من الناحية الواقعية، فحتى الانتقادات التي وجهها ترامب »الجمهوري« باعتباره خصماً حزبياً لإدارة أوباما »الديمقراطية« ووصفه لها بالضعيفة والمترددة مما نال من مكانة أميركا العالمية، كانت أقرب إلى الدعاية أو الاستهلاك المحلي لحظة الانتخابات، إذ لم تكن هناك بدائل واضحة يستند عليها أو يُروج لها، ربما لسبب بسيط .

وهو تطابق تشخيص كل من الحزبين إجمالاً لأزمات المنطقة، فهي -من وجهة نظر الفريقين- تتسم بالفوضى، حروب أهلية، أنظمة مستبدة، دول فاشلة، تراجع مزمن في التنمية وفقا للتقارير الدولية، انتهاكات للحريات وحقوق الإنسان، صراعات طائفية ومذهبية وحروب بالوكالة سعيا للسلطة والنفوذ الإقليمي، مُصدرة للتطرف والإرهاب.

في هذا السياق، يمكن قراءة تصريحات دونالد ترامب التي أعرب فيها عن رفضه للاتفاق النووي مع ايران ووصفه بالقرار الخاطئ كونه لا يخدم سوى مصالح طهران، ولكنه لم يقل صراحة أنه سيقوم بإلغائه فورا حال وصوله إلى البيت الأبيض، مثلما لم يُقدم تصوراً مختلفاً لكيفية التعامل مع المعضلة الإيرانية..

وهنا تجب الإشارة أيضا إلى اعتراف الرئيس الحالي بأن هذا الاتفاق هو »اتفاق الضرورة« ليدفع بالسياسة الإيرانية (السيئة كما وصفها) لتكون فقط أقل سوءا، دون أن ينفي إخضاعها للمراقبة والمتابعة الدورية.

كذلك دعوته لأن تكون بلاده أقل انحيازا لإسرائيل في تعاملها مع المسالة الفلسطينية، ولكن حتى في هذه النقطة لم يخرج كثيرا عما وجهه أوباما من انتقاد لسياسة نتنياهو خاصة ما يتعلق بتعطيله لحل الدولتين، وهو موقف أكثر واقعية.

أما ما يكاد أن يكون نسخة طبق الأصل من رؤية أوباما، فهو الجزء المهم من حديث ترامب والمتعلق بضرورة مراجعة الولايات المتحدة لسياساتها تجاه حلفائها بدءا من أوروبا وحلف الناتو مرورا بألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية إلى دول الخليج والسعودية..

فالأعباء المادية والعسكرية يجب إعادة توزيعها، والحماية الأميركية لابد وأن يكون لها سقف في النهاية، والجانب الأكبر من الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط يجب أن تتحمل الجزء الأكبر فيه دول المنطقة ذاتها خاصة ما يتعلق بأي تدخل بري محتمل بعد تراجعه عن إمكانية نشر قوات أميركية بالعراق لمواجهة تنظيم داعش.

وهذه كلها ليست سوى صياغة أخرى لعبارة أوباما الشهيرة »من يريدون ركوب القطار الأميركي بالمجان« لذا لم يكن غريبا أن تصف النيويورك تايمز ترامب بالابتعاد عن سياسة ثلاثة من أبرز الرؤساء الجمهوريين (ريجان وبوش الأب والابن) سواء في تغليبهم لسياسات القوة أو في طبيعة علاقاتهم بالحلفاء التقليديين.

في المقابل، ليست هناك حاجة للوقوف طويلا عند مواقف منافسته هيلاري كلينتون لأنها كانت شريكاً رئيسياً لأوباما ووزيرة خارجيته في ولايته الأولى ورعت كثيراً من السياسات والاتفاقيات بما فيها المتعلقة بإيران إلى جانب انتمائهما الحزبي الواحد، وبالتالي فلن تختلف معها السياسات العامة الحالية الا ما قد يتعلق بالتفاصيل أو بأساليب تنفيذها.

يبقي القول أخيرا، أن الفروقات بين الجمهوريين والديمقراطيين ليست على هذه الدرجة من الحدة واتساع الفجوة كما قد يتصور البعض، بل في كثير من الأحيان يتخذون مواقف مشتركة مثلما صوتت هيلاري على قرار بوش بغزو العراق.