هناك فعلاً صراع محاور إقليمية ودولية على سوريا وفي المنطقة العربية، لكنْ للأسف، فإنّ الرافضين لهذا الصراع من السوريين والعرب، لم ينجحوا في صنع البديل الوطني الصالح، والبديل العربي الأفضل، بل نجد هيمنةً أجنبية على تداعيات كلّ الحروب الدائرة في أكثر من بلد عربي، كما يستفيد المشروع الإسرائيلي من هذه الأزمات العربية، ويعمل على تفتيت المنطقة إلى دويلاتٍ متصارعة.

ثمّ هل يمكن تجاهل حقيقة أنّ درجة العنف الآن في الأوضاع السورية، هي انعكاسٌ لحدّة أزماتٍ أخرى، مترابطة كلّها بعناصرها وبنتائجها وبالقوى الفاعلة فيها؟!.

وهل يمكن فصل الأزمة السورية عمّا حدث في العقد الماضي من أوّل احتلالٍ أميركي لبلدٍ عربي (العراق)، حيث كانت سوريا معنيّةً بأشكال مختلفة بتداعيات هذا الاحتلال، ثمّ بدعم مواجهته؟ وهل يمكن نسيان أنّ »القاعدة«، وهي الأم التي وُلِدت من رحمها »داعش« و»النصرة«، قد ظهرت في العراق، ثمّ في سوريا، كمحصّلة لنتائج الاحتلال الأميركي لبغداد؟

وهل يمكن فصل الأزمة السورية الحالية عن حرب عام 2006 في لبنان، وعن الصراع العربي/الإسرائيلي، وعن مأزق التسوية على المسار الفلسطيني، وهل يمكن نسيان أنّ مئات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون في لبنان وسوريا والعراق، وبأنّ ما حدث، وما يحدث، في هذه البلدان، سيؤثّر كثيراً في مصير ملفّ اللاجئين الفلسطينيين؟!

واشنطن لم تكن في السابق مستعجلة جداً على فرض تسوية سياسية للأحداث الدامية في سوريا، لكنّها حرصت على ضبط الصراع، وعلى عدم انتشاره إقليمياً أو دولياً، فكانت الإدارة الأميركية تُشجّع الآخرين على تسليح بعض قوى المعارضة، دون تورّط عسكري أميركي مباشر على الأرض.

ولا تُشجّع في الوقت ذاته على حلول سياسية وأمنية لم يحن أوانها بعدُ أميركياً، كالذي حصل مع المبادرة العربية في خريف عام 2011، حينما دعت علناً وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، أطراف المعارضة السورية المسلّحة إلى عدم ترك السلاح أو تسليمه، كما تضمّنت المبادرة العربية.

الآن، تغيّرت الظروف، كذلك هو واقع القوى العسكرية على الأرض، ومواقف الحلفاء الإقليميين، لذلك، فإنّ معالجة الأزمة السورية أصبحت أولويّة لدى إدارة أوباما، خاصّة بعد ظهور »داعش« وسيطرتها على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وصولاً إلى ليبيا وأفريقيا.

وبعد حدوث الاتفاق الدولي مع إيران، التي هي أيضاً دولة معنيّة بما تخطّط له واشنطن لمستقبل أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وملفّ فلسطين والصراع العربي/الإسرائيلي. لذلك، نجد الآن هذا التفاهم والتوافق الروسي/الأميركي، على ضرورة تحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية خلال وقت قريب، رغم استمرار الاختلاف بين القطبين الدوليين حول تفاصيل التسوية المرتقبة.

فأميركا تحتاج إلى دعم موسكو في الملف السوري، كما احتاجته في الملفّ النووي الإيراني، رغم الخلاف الكبير بين الغرب وروسيا حول المسألة الأوكرانية.

فليس أمام واشنطن الآن بدائل مفيدة للمصالح الأميركية، في حال فشل مشروع التسوية السياسية للأزمة السورية. أي هل سيكون الخيار البديل، هو مزيدٌ من التصعيد العسكري في سوريا، تحصد نتائجه روسيا أو قوى التطرّف الأكثر فعالية وسط المعارضة السورية، والتي تسعى للتمدّد إلى دول أخرى كلبنان والأردن وباقي دول المنطقة؟.

وهل لواشنطن وموسكو والقوى الإقليمية الكبرى، مصلحة في تعاظم خطر الإرهاب »الداعشي« على العالم كلّه؟، أم سيكون الاحتمال، في حال الفشل بتحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية، هو استمرارها وأزمات المنطقة على ما هي عليه؟، لكن من يقدر الآن على ضبط إيقاعاتها المحلية، ومنع توسيع رقعتها الجغرافية؟، وهل هناك إمكانية لفعل ذلك؟!

لا أعتقد أنّ هذا ممكن، ولا أرى أنّ هناك مصلحة أميركية وروسية وإيرانية وتركية وعربية في استمرار التأزّم الأمني والسياسي الحاصل. إسرائيل وحدها مستفيدة الآن من الحروب الأهلية العربية، ومن التجاهل الدولي والعربي الجاري الآن للقضية الفلسطينية. وإسرائيل فقط، ومن معها في الأوساط السياسية الأميركية، هي التي ترغب بتغيير خرائط المنطقة، وتفتيت كياناتها الراهنة.

لذلك كلّه، تتأكّد الحاجة الآن لتسوية سياسية للحرب الدموية في سوريا، فبعد أكثر من خمسة أعوام على المراهنات العسكرية في الأزمة السورية، وصلت هذه المراهنات إلى طريق مسدود، إذ لم تنجح الحكومة السورية في إنهاء الأزمة من خلال حلّها الأمني الذي اعتمدته منذ بداية الحراك الشعبي السوري.

كما لم تنجح بعض قوى المعارضة التي اختارت عسكرة هذا الحراك الشعبي (بتشجيع خارجي) من إسقاط النظام، بل إنّ خيارها هذا أدّى إلى تصعيد العنف والدمار من كلّ الأطراف، وإلى فتح أبواب سوريا أمام قوى إرهابية مسلّحة متطرّفة، أعلنت جهاراً ارتباطها بجماعات »القاعدة« و»داعش«.