غالباً ما يقارن المتشائمون أميركا التي تحيط بها المتاعب بروما المترنحة في عهودها المتأخرة أو الإمبراطورية البريطانية المفلسة والمنحدرة.

إلا أن أوروبا في العصور الوسطى (حوالي 500-1450) هي المقارنة الأكثر ملاءمة. والعالم في العصور الوسطى كان حوالي 1000 عام من الإنجاز الإنساني المتألق وإن كان متقلباً، جنباً إلى جنب مع انعدام الأمن والخرافة ووجود طبقتين وليس ثلاث طبقات.

وواصلت الجامعات الكبيرة الموجودة في القرون الوسطى في بولونيا وباريس وأكسفورد قطع خطوات عملاقة في العلوم. ولم تكن مختلفة عن كليتي الطب والهندسة في جامعتي هارفارد وستانفورد، إلا أنها لم تكن مراكز للتفكير الحر.

وعوضاً عن ذلك، صممت رموز خطاب العصور الوسطى لضمان ألا يشكك أحد في سلطة عقيدة الكنيسة. ومن الناحية الثقافية أو السياسية فإن الأدبيات غير الصحيحة للماضي الكلاسيكي من أريستوفانيس لبترونيوس قد فرضت عليها الرقابة باعتبارها إما مخربة أو ضارة.

تعاني الطبقات الوسطى المتضائلة من خدمة مليارات الدولارات المقدمة في صورة ديون استهلاكية وديون للطلبة من قبل البنوك الكبرى، وذلك بطريقة تشبه معاناة الفلاحين في القرون الوسطى.

وفي أوروبا القرون الوسطى، انتشرت الأمية على نطاق واسع. وسادت الخرافة على المنطق. ولكن على الرغم من إنفاقنا نحو 11 ألف دولار على كل طالب، سنوياً، هل يمكن أن نعتبر أننا مختلفين عن تلك الفترة، وإلى ذلك الحد؟

فبالنسبة إلى كثير من الاستطلاعات، فإن أكثر من ربع الأميركيين يعتقدون بعلم التنجيم. كما يعتقد ربع الأميركيين أن الكائنات الفضائية قد زارت كوكب الأرض. فضلاً عن أن أكثر من 40% منهم لا يمكنهم ذكر اسم نائب رئيسهم السابق. وأن قرابة ثلاثة أرباعهم ليس لديهم أدنى فكرة عن السبب الذي أدى لوقوع الحرب الباردة.

كانت الجماعات الحاكمة في محاكم القرون الوسطى مليئة بالأشرار من الداخل، وبالأوغاد والمؤامرات والمكائد. وذلك بالمقارنة مع الفضائح الحالية والأكاذيب والمؤامرات الدائرة في واشنطن. وكتب المعلقون القدامى عن أطروحات اقتصرت على فئة معينة، لا يقرؤها أحد. واعتبرت تلك الأعمال نوعاً من المواد غير المفهومة "نظرياً" لأساتذة العلوم الإنسانية بالجامعات.

لقد كانت أوروبا القرون الوسطى متشظية لإقطاعات محلية متحاربة.

وبالنظر إلى الحدود القديمة المنسية منذ زمن، استندت نخب القرون الوسطى على الجدران الكبيرة والخنادق للبقاء آمنة. وذلك بشكل مماثل لما نشهده حالياً بالنسبة إلى مناطق، مثل ماليبو ووادي السيليكون.

أما اليوم، فيقود مجلس اللوردات سيارات من طراز "بي إم دبليو"، ويسافر أعضاؤه على متن طائرات خاصة عوضاً عن امتطائهم الأحصنة. قد يرتدون الجينز أو الشباشب بدلاً من العباءات والتيجان، إلا أن ثروتهم وتأثيرهم غير محدود، تضاهي عظمة اللوردات في القرون الوسطى.

يمكن للمهندسين المدنيين البارزين في القرون الوسطى تصميم كاتدرائيات مهيبة في أماكن مثل شارتر وروان. ولكن الديون والعجز والاختلافات تعني أن تشييدها، على عكس تشييد معبد البارثينون في وقت مبكر، قد استغرق قروناً عدة لإنجازه.

تشبه التصميمات الأولية لولاية كاليفورنيا ونماذجها للسكك الحديدية عالية السرعة خطط الكنائس القوطية المكلفة في العصور الوسطى. لكن حقيقة استكمال المشروع ستتطلب تجاوز التكاليف على مدى نصف قرن ودعاوى قضائية، وتواصل ارتفاع الضرائب والرسوم.

في القرن الواحد والعشرين أصبحت أميركا، التي نستند عليها ولكن التي لا يمكننا إعادة بنائها أبداً، بُنىً مثل سد هوفر.

ومن غير المقنع أن بإمكاننا بناء سد يتألف من ثماني خانات ووضع نظام طرق سريعة من الساحل إلى الساحل. وسائل الترفيه في القرون الوسطى مثل التمثيليات الصامتة والشعوذة، والعروض البهلوانية، تختلف عن أنواع الترفيه التي يؤديها الشعراء اليوم أمام اللوردات. أما في عصرنا، فحري بنا التفكير في الفجوة بين سمفونية ما وأحد برامج الواقع، وبين برامج المسابقات واتحاد كرة القدم الأميركي.

هناك اختلاف واحد كبير بين القرون الوسطى والعالم الحديث. الناس هنا تعيش في عصر القرون الوسطى وتؤمن بالتفوق وينظر إليها على أنها تحاول الحفاظ على الثقافة حية حتى تعود الحضارة.

الناس التي تعيش في العصور الحديثة تفعل ذلك على نحو كبير من أجل نزعتها الغريزية من دون أن تبدي قلقاً على ما سيعقب ذلك، مع قليل من الوعي لما تمت خسارته، وما يجب استعادته.