ما حدث في مدينة مانشستر البريطانية هو عمل إرهابي إجرامي كبير دون أي شك، كذلك هو أي عمل يستهدف قتل المدنيين الأبرياء في أي مكان بالعالم.

كما حدث منذ أسبوع في ميدان «تايمز» الشهير في نيويورك، حينما قام شاب أميركي بدهس المارة في الميدان، لكن لم يُصنّف عمله بخانة «الإرهاب»، كما هو الأمر عادة حينما يكون الجاني من غير العرب والمسلمين، عِلماً بأنّ معظم منفذي الهجمات الإرهابية في أوروبا خلال العامين الماضيين، لهم سجل جنائي داخل دولهم.

بعض وسائل الإعلام الغربية، والعديد من السياسيين الغربيين، يبثّون في كثيرٍ من الأحيان ما هو مصدر خوف وشكّ وريبة في كلِّ عربي وكلِّ مسلم في أميركا وأوروبا، فهناك مخاطر قائمة الآن على العرب والمسلمين في الغرب، حصيلة مزيج مركَّب الأسباب.

وحينما يكون المتَّهم جماعات إرهابية بأسماء عربية وإسلامية، فإنَّ الغضب الغربي سيتمحور حول العرب والمسلمين أينما وُجدوا، ثم كيف سيكون حجم هذا الغضب إذا ما أضيف إليه ما زرعته منذ عقد التسعينيات في عقول الغربيين، كتابات ووسائل إعلامية، مسيَّرة من قبل جماعات صهيونية أو عنصرية حاقدة، من زعم حول الخطر الإسلامي القائم في الغرب، وكيف سيكون أيضاً حجم هذا الغضب إذا ما صدر عن جهل عام بالإسلام وبالعرب وبقضايا العرب والمسلمين؟.

كلُّ الساحة الإعلامية الغربية مفتوحة لأبناء السوء لبثِّ سمومهم وأحقادهم على الإسلام والعرب، لكن أيضاً هي ساحة مفتوحة، ولو بظروف صعبة، على دعاة الخير من العرب والمسلمين لكي يصحّحوا الصورة المشوَّهة عنهم.

عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، جرت أعمالٌ إرهابية عنفية في بلدان مختلفة تحت أسماء جماعات إسلامية، كان يُرمز إليها، اختصاراً لمفاهيمها وأساليبها، بجماعات «القاعدة»، رغم عدم تبعيتها لقيادة واحدة. وتُجدّد هذه المرحلة نفسها الآن من خلال ما قامت وتقوم به «جماعات داعش» من إرهاب ووحشية.

الغرب تحكمه الآن حالة «الجهلوقراطية» عن الإسلام والعرب والقضايا العربية، وهي الحالة التي تجمع بين مجتمع ديمقراطي تسهل فيه تأثيرات وسائل الإعلام، وبين تضليل وتجهيل تمارسه بعض هذه الوسائل، عن قصد أو غير قصد، لمسائل تتعلّق بالعرب وبالمسلمين وبقضايا المنطقة العربية.

هناك أطراف عديدة تريد فرز عالم اليوم بين «شرق إسلامي» موصوف بالإرهاب، و«غرب مسيحي» محكوم بالعلمانيّة والديمقراطيّة.

القليل من الفعل الإيجابي السليم خير من العزلة أو السلبية أو الانفعال الكبير. وهذا ما يحتاجه الآن الوجود العربي والإسلامي في الغرب، ليس فقط في التعامل مع ظاهرة الإساءات المغرضة، بل أيضاً للمساهمة في إصلاح أوضاع عربية وإسلامية مهدّدة بالفرز والتفكّك والانشطار الطائفي والمذهبي.

تشويه الصورة العربية والإسلامية في الغرب رافقه، ويرافقه، عاهات وشوائب كثيرة قائمة في الجسمين العربي والإسلامي، ولذلك فإنّ تصحيح الذات العربية، والذات الإسلامية، يجب أن تكون له الأولوية قبل الحديث عن «تصحيح الصورة» في الغرب.

محصّلة السنوات الماضية من هذا القرن الجديد، لا تشجّع كثيراً على التفاؤل بمستقبل أفضل، طالما أنّ البلاد العربية هي ساحات لمعارك وصراعات، وليست مصدر قرارات أو قدرة على الاعتماد على الذات، من أجل تصحيح الواقع وتغيير مساره لصالح العرب أنفسهم أولاً.

فالتدخّل العسكري الأجنبي لإسقاط أنظمة، جعل بديل الأنظمة في هذه الأوطان مليشيات مسلّحة على أسس طائفية وقبلية وإثنية، أطاحت بكل مقوّمات الدولة الواحدة، وأضعفت الولاء الوطني والقومي.

الفكر المتطرّف يستفيد حتماً من أيّ شرارة نار يُشعلها متطرّف آخر في مكان آخر، فالحرائق تغذّي بعضها البعض، لكن النار مهما احتدّت وتأجّجت، فإنّها ستأكل في يومٍ ما، عساه قريباً، ذاتها.

الحذر مطلوبٌ الآن من المستقبل، كما هو مطلوبٌ رفض الحاضر وتداعيات الماضي. إذ إنّ الوعد بمستقبلٍ أفضل، يفترض وجود عناصر لم تزل مغيّبة حتّى الآن، وتحتاج إلى مراجعات كثيرة مع النفس لدى كل الأطراف العربية والإقليمية المعنيّة بالأزمات الراهنة.

هناك سعي دولي وتجاوب عربي أحياناً، لتحويل الجهد من أجل السلام العادل، إلى استسلام وقبول بالشروط الإسرائيلية في أي تسوية، فتحويل السلام إلى استسلام، هو مضمون المشاريع الإسرائيلية، بينما تتواصل على الجبهة العربية صراعات عربية- عربية، وحروب أهلية تستنزف الأوطان والمقاومين، وتدفع الشعوب إلى اليأس أو الانغماس في حروب الداخل والسكوت عن احتلال الخارج.

المسألة ليست فقط مؤامرات خارجية، هي أيضاً أمراض داخلية، لكن المريض هنا لا يُرفَع عنه الحرج.