فكر في شبه الجزيرة الكورية مقلوبة رأساً على عقب. تخيل لو وجدت ديكتاتورية كورية جنوبية قابعة في السلطة، عميلة لأميركا منذ العام 1953.

وتصور أيضاً أن كوريا الجنوبية المعاصرة لم تكن تلك الدولة الديمقراطية الغنية الحاضنة لـ«سامسونغ» و«كيا»، بل مجرد دولة ظالمة غير صناعية وفاشلة أقرب إلى كوريا الشمالية.

وتخيل أن الولايات المتحدة قد قدمت المساعدات المالية والعسكرية لذاك النظام الخارج على القانون، الذي أدى لامتلاك سيؤول عدداً من الأسلحة النووية وأسطولاً من الصواريخ طويلة المدى. وتصور أن تلك الديكتاتورية الكورية الجنوبية المارقة تهدد بشكل متواصل بحرق جارتها كوريا الشمالية، التي لا تحكمها سلالة كيم، بل حكومة صالحة لا تملك أسلحة نووية.

وافترض كذلك أن الديكتاتورية الكورية الجنوبية تتوعد بين الحين والآخر بمحو مدن صينية مثل شنغهاي وبكين. تتلخص الرسالة الضمنية للصينيين بأن أبناء كوريا جنوبية يعتبروا مجانين إن لم يكترثوا بأن تحرقهم النيران كذلك طالما أن العشرات من الصواريخ المحملة برؤوس نووية قد تدمر المدن الصينية وتشلّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم. فلنفترض أن التهديدات الكورية الجنوبية مضت بلا أية عواقب لأكثر من عقدٍ من الزمن.

أخيراً، وفي ظل مثل هذا السيناريو الخيالي، ماذا لو زعمت أميركا أنها تجهل قدرات عميلتها كوريا الجنوبية النووية وتهديداتها. ستتذرع أميركا حينئذ بالأسف حيال التوتر المتزايد وردود الفعل المستهترة للصين إزاء التهديدات النووية ضدها. وستعمد واشنطن إلى إلقاء محاضرات على الصين تلومها فيها بأن الأزمة نجمت، بجانب منها عن دعم حليفتها الكورية الشمالية.

وعليه، ستصدر أميركا تصريحات تعرب فيها عن القلق والأسف حيال الوضع، على الرغم من تحذيرها الصين بعدم القيام بكل ما من شأنه إغاظة حليف أميركا الاستفزازي.

ويبقى السؤال المطروح، إلى أي مدى ستتقبّل الصين وجود أسلحة دمار شامل موجهة نحو مدنها الرئيسة من قبل نظام استبدادي غير متوازن؟ وهل ستردّ بكين على ذلك بتهديد سيؤول بضربة عسكرية وقائية، على الرغم من معرفتها بأن سيؤول قد تسبقها إلى إحداث أضرار نووية بالغة؟

هل ستتوصل الصين إلى إدراك بأن أميركا هي المذنب الحقيقي لأنها فرضت العقوبات على امتلاك كوريا الجنوبية للأسلحة النووية؟ وهل ستحذر أميركا للضغط على سيؤول لنزع سلاحها؟ وهل ستوقف بكين تبادل الأعمال التجارية مع أميركا؟ أو تعمد الصين إلى مقاطعة أو حظر كوريا الجنوبية؟

هل ستشعر الصين بالغضب بأنها بعد أن ضمنت بقاء عميلتها، كوريا الشمالية منزوعة السلاح والتزمت قواعد اللعبة، أن تتعمّد أميركا القيام بخلاف ذلك، أي تمكين عميلتها الديكتاتورية كوريا الجنوبية لتغدو قوة نووية تهدد الصين؟

بمعنى آخر، إذا وجدت الصين وكوريا الشمالية نفسيهما في الموقف عينه لأميركا وكوريا الجنوبية، لشهد العالم هجمة صينية وقائية على سيؤول للتخلص من قدراتها النووية.

ولكان المجتمع الدولي قد شهد طرد الصين للأميركيين المتآمرين من السفارات الصينية، وقطع العلاقات التجارية مع أميركا، وتعطيل عمل المصارف الأميركية، والتهديد باستعمال القوة ضد الأراضي الأميركية.

لا تقتصر حقيقة أزمة الصواريخ الكورية الشمالية على الافتراض المتداول باعتبار الصين مفتاحاً للحل، بل أساساً للمشكلة القائمة.

لم تخفق الصين في التوصل لإدراك أن كوريا الشمالية تعمل على تطوير ترسانة نووية. بل إنها أخذت بالحسبان أن جارتها الشمالية قد تفعل ما تقوم به اليوم تماماً، وأن مثل هذا التحايل النووي يصب في خانة المصالح الاستراتيجية للصين في كل من شبه الجزيرة الكورية ومع أخصامها كالولايات المتحدة وحلفائها في آسيا.

بكلام آخر، لو كانت الصين في موقف أميركا لشهدنا على الأرجح حرباً مدمرة طويلة منذ زمن بعيد. ستقوم الصين بإجراء التصحيحات الضرورية قبل أن تتفاقم الأوضاع.