تتفتق سنة 2017 عن معالم فاصلة في التاريخ العربي الحديث فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فقد مرت علينا الذكرى الخمسين للنكسة في 5 يونيو 1967 والتي أدت إلى احتلال ما تبقى من أرض فلسطين. كما مرت علينا الذكرى المئوية لوعد بلفور في 2 نوفمبر الماضي والتي شكلت بداية مأساة الفلسطينيين. والآن في 29 نوفمبر تمر علينا الذكرى السبعون لقرار التقسيم والذي أفضى إلى إقامة دولة إسرائيل وتهجير الشعب الفلسطيني من وطنه.

وبين وعد بلفور والتقسيم ثلاثة عقود بالتمام والكمال. ولا يبدو أن الأمر تطور طبيعياً من وعد أعطته دولة عظمى لمنظمة صهيونية أملته ظروف معينة أو سياق تاريخي، بل يبدو أن بريطانيا سعت حثيثا لتحقيق ذلك الوعد إلى آخر يوم في عمر الإدارة الاستعمارية لفلسطين.

ويذكر البروفيسور الراحل عبد الوهاب المسيري في معرض حديثه عن الحركات اليهودية أن هيربرت صموئيل البريطاني اليهودي والذي عين كأول مندوب سامي لبريطانيا في فلسطين، كان معاديا للصهيونية بصفتها غير عملية ومضرة لليهود.

ولكن بعد اندلاع الحرب العظمى وتوقعه لهزيمة الدولة العثمانية، فإن صمويل بدا في الترويج إلى إقامة مستعمرة إنجليزية وتشجيع اليهود على الهجرة إلى هذه المستعمرة والتي سيبلغ سكانها ثلاثة ملايين يهودي. ومن ثم تتطور هذه المستعمرة إلى أن تصبح دولة ذات سيادة ترعى المصالح البريطانية في المنطقة.

وعند تعيين صموئيل كمندوب سامي لبريطانيا في العام 1920، شجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين. ورغم اعتراضات العرب على سياسة الهجرة البريطانية إلا أن الهجرة اليهودية تزايدت في عهد الأخير. كما إنه سعى لتثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين عبر الاعتراف بالمؤسسات السياسية الصهيونية وسعى للاعتراف باللغة العبرية كلغة رسمية. إضافة إلى ذلك، زاد عدد المستوطنات اليهودية في فلسطين من 44 إلى 100 مستوطنة في فترة صموئيل.

فعلى ما يبدو أن السياسة البريطانية لم تكن حينها تتعاطف مع اليهود ومحنتهم ومعاناتهم في أوروبا كأقلية. بل كان المرام هو تأسيس لقاعدة بريطانية متقدمة. وقد كان الصهاينة يروجون هذه الفكرة الموازية للمستعمرات الاستيطانية الأوروبية في أفريقيا في الجزائر وروديسيا (زيمبابوي) وجنوب أفريقيا. وكان زعماء الحركة الصهيونية يرددون أن الدولة اليهودية في فلسطين ستكون واحة غربية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا في الصحراء العربية.

وقد عمدت لندن إلى تحقيق إنشاء دولة يهودية في فلسطين خلال مرحلة الانتداب، رغم أنها اضطرت إلى الإبحار في مياه فلسطين المضطربة والتراجع حينا والتقدم حينا ليتسنى لها تنفيذ مآربها. وفي هذا الجهد قامت الحكومة البريطانية بنشر عدة كتب بيضاء لتجاوز العقبات التي كانت تواجهها في تعزيز الوضع وحط اللبنات لدولة يهودية في فلسطين.

وأثناء ثورة فلسطين الكبرى 1936-1939 والتي نتج عنها تقارب بين السلطات البريطانية والمنظمات الصهيونية العسكرية والاستخباراتية وكان لها تأثير كبير على مجريات الأحداث في فلسطين، نشرت الحكومة البريطانية خطة بييل لإحلال السلام في فلسطين. وخلص التقرير إلى أن الانتداب فشل ويجب تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية. وكانت هذه أول مرة يقترح فيه حل التقسيم.

ورغم صغر المساحة التي خصصت للدولة اليهودية إلا أن زعيمي الحركة الصهيونية، حاييم فايتزمن وديفيد بن غوريون، قبلا بالمقترحات على أمل توسيع رقعة الدولة لاحقا. وقالا انه لا يمكن التنازل عن أرض إسرائيل، وما هذي إلا حدود مؤقتة. واعتبر بن غوريون هذه الدويلة محطة لدولة أكبر.

وقد رفضت القيادات العربية مبدأ التقسيم لأنه إجحاف بحق العرب. وأن مقترحات بييل تخالف التعهدات البريطانية. وقد شمل الاحتجاجات كافة قطاعات وأطياف الشعب الفلسطيني والعرب عموما.

ومع استمرار الثورة الفلسطينية اضطرت بريطانيا إلى إصدار كتاب أبيض جديد في العام 1939 يلغي فكرة التقسيم. ويقترح الكتاب الأبيض إنشاء وطن قومي لليهود داخل دولة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنوات. وتحديد الهجرة اليهودية إلى 75,000 خلال السنوات الخمس المقبلة.

ولسوء حظ الفلسطينيين واليهود اندلعت الحرب العالمية الثانية في العام نفسه. وقد تعهد هتلر بإبادة اليهود إذا ما اندلعت الحرب. وفعلا قام النظام النازي بمهاجمة الأحياء اليهودية وقتل أعدادا كبيرة منهم. إلا أن فكرة المحرقة تشكلت كسياسة في العام 1942 والذي عرف بالحل النهائي للمسألة اليهودية.

وقد أكسبت مأساة يهود أوروبا تعاطفا كبيرا بين الأوساط الغربية والتي شعرت بالذنب على ما حصل لليهود. وقد تحول بسبب تلك المحرقة الشنيعة أغلبية اليهود إلى أنصار للقضية الصهيونية وتأسيس دولة يهودية في فلسطين.

وفي ظل هذه الظروف، قامت بريطانيا، والتي أنهكتها الحرب العالمية الثانية، بتحويل القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لإيجاد الحل. وفي نهاية المطاف وبضغوط من قبل دول عظمى صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية. وقد أعطى قرار الأمم المتحدة 181 56% من أراضي فلسطين لليهود والذي بلغ عددهم 608,000 نسمة، وأعطى الفلسطينيين والذين بلغ عددهم 1,237,000، 43% من الأراضي.

بينما وضعت القدس تحت نظام دولي بسبب أهميتها لكافة دول العالم. وقال علق وزير الدفاع الأميركي جيمس فورستل على هذا الموضوع لاحقا في مذكراته: «إن الطرق المستخدمة للضغط وإكراه الأمم الأخرى في نطاق الأمم المتحدة كانت فضيحة».