لا بد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية أسقطا من حسابهما الغضب الفلسطيني، والاحتجاجات الضخمة التي قام بها المسلمون على امتداد العالم في أعقاب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدسة.

وافترضا أن كل هذه الأمور ستتلاشى، لأن دول العالم ستكتفي باحتجاجات شكلية، وأن الفلسطينيين أضعف من أن يفعلوا أي شيء باستثناء تنظيم احتجاجات غير فعالة لا تسمن ولا تغني من جوع.

ويمكن أن تكون واشنطن وإسرائيل قد أخطأتا في حساباتهما، فعندما كنت أقيم في القدس، أصبحت مقتنعاً بأن العديد من الأحداث الدراماتيكية التي تقع في إسرائيل، كحوادث إطلاق النار والتفجيرات، غالباً ما كان لها تأثير أقل مما توقع الغرب. لكن أي شيء يتعلق بالقدس نفسها، والأهم من ذلك أماكنها المقدسة، له تأثير أكبر بكثير مما يتوقع أي شخص.

والتأثير الفوري لما أقدم عليه ترامب هو أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر ضعفاً، لأنها أقدمت على مبادرة أخرى عارضتها بقية العالم. وقد تفلت أي قوة عظمى من مثل هذه المناورة، ولكن ليس الولايات المتحدة المنقسمة على نفسها سياسياً. فنفوذها آخذ بالانحسار في الوقت الحالي بسبب فشلها في العراق وأفغانستان. وهذه البادرة تبدو في غاية الوضوح مناهضة لمصالح السياسة الخارجية الأميركية، بحيث أن قادة العالم الآخرين سيقتنعون بأن ترامب أصبح حليفاً لا يطاق.

وقد يكون لهذه الخطوة الأميركية عواقب وخيمة أخرى. فبعد انتهاء الحرب في سوريا والعراق، سينصب التركيز مجدداً على إسرائيل والفلسطينيين.

فقد تعرضت جهود داعش والقاعدة للفشل في تغيير أنظمة الحكم في البلدين، فإذا تعين على هذين التنظيمين الإرهابيين النجاة والحصول على دعم واسع، فإنهما يحتاجان للعثور على عدو جديد لم يكن مدرجاً في أجندتهما السابقة. فالإعلان المتعلق بالقدس ألقى إليهما بحبل النجاة بصورة غير متوقعة، في الوقت الذي يتعرضان فيه لهزيمة ساحقة.

ترامب ورث عن سلفه أوباما الحرب لسحق تنظيم داعش وخليفته، وواصل هذه الحرب دون إحداث أي تغيير عليها. فمعظم القرارات كان يتم اتخاذها من قبل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وليس من قبل البيت الأبيض. وحتى الآن فإن أكبر التغييرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، تمثلت بالموقف من الملف النووي الإيراني.

وبالتزامن مع ذلك تقلص دور حلفاء إيران في المنطقة مثل الحشد الشعبي وحزب الله، لأنه لم تعد هناك حرب يخوضانها، فيما أصبحت الحكومتان العراقية والسورية أقوى من السابق.

وهناك عواقب أوسع لتحول السياسة الخارجية الأميركية، فهناك نحو 1.5 مليار مسلم على امتداد العالم يشكلون أغلبية في 50 دولة ويشكلون 22% من سكان العالم. وجميعهم يشعرون بالسخط على الإجراء الذي أقدم عليه ترامب، والقسم الأعظم من هؤلاء يشعرون بالسخط على الرئيس الأميركي حتى قبل إقدامه على خطوته الأخيرة.

وعلى الرغم من كل هذه التطورات، فإن شيئاً لم يتغير على أرض الواقع بالنسبة لإسرائيل. فقد أصبحت تعتبر القدس عاصمة لها بصورة عملية، كما أصبحت تعتبر عملية السلام مع الفلسطينيين زائفة منذ سنوات عدة. ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على الادعاء أنها وسيط سلام نزيه، رغم أنها لم تكن كذلك سابقاً.

ومن خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ربما خرق ترامب وإسرائيل قاعدة سياسية تنص على أنه من الخطر التلاعب بحالات الأمر الواقع باستثناء تلك التي تم تقبلها بصورة غير رسمية، وإلا ستكون العواقب وخيمة. وسيرى ترامب وإسرائيل بأنهما خاطرا أكثر مما يتخيلان، وسيدفعان ثمناً أكثر فداحة مما توقعا بإضفاء الحكم الرسمي الإسرائيلي على القدس.