يرجع تاريخ العلاقات الخليجية الأفريقية إلى ما قبل الإسلام، حيث عرف سكان شبة الجزيرة العربية بلاد الأفريق عندما أسس ما يُطلق عليهم حينها «السلالة السليمانية»* مملكة أكسوم عام 325 قبل الميلاد، وكانت هذه المملكة من أقوى الحضارات الأفريقية وكانت تجارتها ضمن نطاق شبة الجزيرة العربية.

وبعد انتشار الإسلام بدأت العلاقات بين بلاد الأفريق وشبة الجزيرة العربية تأخذ منحى أكثر عُمقاً وحملت تلك المرحلة من العلاقات دلالات أصبحت ماثلة وخالدة في عين التاريخ بدءاً بزيارة ملك أفريقيا الأول كانجا مانسا موسى للجزيرة العربية عام 1324م مروراً بإقامة العالم الأفريقي الشيخ عمر الفوتي في الجزيرة العربية لمدة عشرين عاماً وانتهاءً بقوافل علماء أفريقيا الذين هاجروا من أقصى الغرب الأفريقي إلى شبه الجزيرة العربية هرباً من بطش الاستعمار الأوروبي الذي جاء بعد مؤتمر برلين أو ما يسمى بمؤتمر الكونغو 1884-1885م، ويجب هنا التفريق بين مؤتمر برلين الذي نظم الاستعمار والتجارة في أفريقيا وبين مؤتمر برلين 1878م الذي أعاد صياغة معاهدة سان ستيفانو الشهيرة.

نالت دول الخليج العربي استقلالها في الحقبة التاريخية نفسها التي نالت فيها أغلب الدول الأفريقية استقلالها وهي في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي وبدأت العلاقات بين الجانبين تأخذ طابعاً حداثياً تتبادل وتتعاون فيه الدول في شتى المجالات الدبلوماسية والاقتصادية إلا أن التعاون بين الجانبين ظل متواضعاً طيلة العقود الماضية ولم تتعزز العلاقات الخليجية الأفريقية إلا أخيراً.

تُدرك دول مجلس التعاون الخليجي اليوم أن حضورها الاقتصادي في أفريقيا يتفوق على حضورها السياسي ويرجع السبب في ذلك إلى عوامل عدّة أهمها: عدم الاستقرار السياسي لبعض الدول الأفريقية، وبروز الصورة السلبية والمغلوطة وغير العادلة في الذهن الخليجي عن الدول الأفريقية ما أعاق العمل السياسي الخليجي في الساحة الأفريقية.

فالسياسة الخليجية وإن كانت قد نجحت إلى حد ما في تدشين بعض المشاريع التجارية والاستثمارية في بعض الدول الأفريقية وعملت على خلق فرص عمل ما ساعد بلا شك في إنعاش جزئي لتلك الدول اقتصادياً إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي لم توظف تفوقها الاستثماري والاقتصادي بما يخدم مصالحها السياسية إلا بعد أن وجدت نفسها على خط المواجهة العسكرية مع طهران في جنوب الجزيرة العربية القريبة من السواحل الشرقية للقارة الأفريقية.

أضف إلى ذلك، الشك الذي بدأ يساور الشارع الخليجي بعد تأسيس واشنطن ما يسمى بالمجلس الاستشاري الأفريقي، وتمديد قانون النمو والفرص لعشر سنوات، وإنشاء القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا عام2007م التي أطلق عليها (أفريكوم/‏ USAFRICOM)، وإصدار كتاب حمل عنوان "African Oil Policy Initiative Group"، الذي يؤكد ضرورة استبدال النفط الخليجي بالنفط الأفريقي خاصة بعد صدور تقارير اقتصادية أميركية تؤكد أنه بحلول عام 2020 ستحصد الولايات المتحدة ربع نفطها من أفريقيا.

هذا بالإضافة إلى تميز النفط الأفريقي بمميزات يتفوق بها على النفط الخليجي، مثل: انخفاض نسبة الكبريت ما يقلل عملية التكرير، وقرب السواحل الأفريقية من السواحل الشرقية للولايات المتحدة وهذا ما أعطى النفط الأفريقي ميزة القرب الجغرافي التي ينافس بها النفط الخليجي، ويبقى السؤال هنا هل ستتحول العلاقات الخليجية الأفريقية مُستقبلاً من التعاون اليوم إلى التنافس غداً؟

كيف يمكن تعزيز العلاقات الخليجية الأفريقية؟

البدء بتأسيس تكتل اقتصادي يضم دول الخليج وبعض القوى الأفريقية الصاعدة مثل إثيوبيا، نيجيريا، جنوب أفريقيا، وسيكون لهذا التكتل نتائج إيجابية فقد تتقارب وجهات النظر المغربية - الأفريقية بشأن ملف الصحراء الغربية وإقناع بعض الدول الأفريقية بسحب الاعتراف من الجمهورية العربية الصحراوية، ومن ناحية أخرى يمكن لدول الخليج تحجيم النفوذ الإيراني في أفريقيا.

دعم عمل صندوق أبوظبي للتنمية في مشاريع الطاقة المُتجددة في أفريقيا، كتلك التي تم دعمها في السيراليون عام 2014.

تأسيس معاهد ومراكز خاصة بالدراسات الأفريقية في دول الخليج لتقريب وجهات النظر والعمل على قراءة أفريقيا بشكل مُستقبلي.

دعم المملكة العربية السعودية في برنامج إصدار الصكوك الإسلامية في أفريقيا لإنعاش الاقتصاد الأفريقي من ناحية والمُحافظة على الأموال الخليجية من أي ابتزاز سياسي/‏ اقتصادي مُستقبلي من ناحية أخرى.

العمل على إنجاح مشروع جسر اليمن - جيبوتي الذي سيُعزز التبادل التجاري بين دول القرن الأفريقي ودول الخليج العربي.

* باحثة إماراتية في الشـأن الأفريقـي

* السلالة السليمانية ترجع إلى الملك سليمان (نبي الله سليمان) والملكة سبأ.