يبدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرصاً شديداً على نجاح القمّة المرتقبة بينه وبين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، رغم ما ساد بينهما من مواقف سلبية خلال العام الماضي، ففي نجاح القمّة هذه، سيفوز ترامب بلقب بطل السلام في شرق آسيا، وسيكون ذلك حافزاً لوسائل الإعلام الأميركية من أجل التركيز على إنجاز مهمّ في السياسة الخارجية بدلاً من التعامل الإعلامي اليومي مع مسألة التحقيقات في حملته الانتخابية.

فمجرّد التهيئة الآن للقمّة الأميركية/‏الكورية أدّى إلى تأجيل اجتماع كان من المفترض حدوثه بين ترامب والمحقّق روبرت موللر للإجابة عن بعض الأسئلة الخاصّة بالتحقيقات القانونية، وذلك تحت حجّة انشغال الرئيس الآن في المفاوضات مع كوريا عشية موعد القمّة، فكيف سيكون الأمر بعد القمّة، مع العلم أنّ مفاوضات واجتماعات عدة ستتبع القمّة لتنفيذ ما قد يتّفق عليه؟!

إنّ قمّة سنغافورة ستكون مقدّمة لتحرّك واسع يريده ترامب في مطلع هذا الصيف على جبهات دولية عدّة بهدف تحقيق ما هو في الأجندة الخارجية لإدارته، وأيضاً من أجل تجميد التحقيقات بشأن حملته الانتخابية أو تهميشها سياسياً وإعلامياً إلى ما بعد الانتخابات في نوفمبر المقبل. فالأمر لن يقتصر على المسألة الكورية وتداعيات ما بعد القمّة المرتقبة، بل سيتبع هذه القمّة إعلان ترامب عمّا أسماه بـ«صفقة القرن» بشأن الصراع العربي/‏الإسرائيلي والملفّ الفلسطيني المرتبط فيه. وسيتزامن الإعلان عن «الصفقة» واللقاءات الخاصة بها مع التصعيد في المواقف الأميركية ضدّ إيران وحلفائها في «الشرق الأوسط»، بحيث تتفاعل قضايا «الحرب والسلام» امتداداً من شرق آسيا إلى كل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها التطوّرات العسكرية المحتمَلة على الأراضي السورية.

وفي شهر يوليو المقبل، سيكون ترامب منشغلاً أيضاً باجتماعات قمّة «ناتو» في بروكسل وما تعنيه هذه القمّة على صعيد العلاقات الأميركية/‏الأوروبية، خاصّة بعد التأزّم في العلاقات بسبب انسحاب أميركا من الاتفاق الدولي مع إيران بشأن ملفّها النووي، والخلاف الحاصل مع موسكو بشأن العديد من القضايا الدولية ومن ضمنها الصراع في سوريا ومحاولات ضمّ جورجيا وأوكرانيا إلى عضوية "ناتو"، وهو الأمر الذي تعارضه موسكو.

إذاً، إدارة ترامب ستشغل العالم والرأي العام الأميركي خلال أشهر الصيف بالتعامل مع جملة أزمات دولية، وقد تبقى الأمور في حدود الحراك السياسي الذي يحقّق ما ترجوه هذه الإدارة على المستويين الخارجي والداخلي، لكن حتماً لا ضمانات لذلك في منطقة الشرق الأوسط، أوّلاً بسبب عدم معرفة أو ضمان ردود فعل خصوم واشنطن بالمنطقة، وثانياً، نتيجة حضور العامل الإسرائيلي الذي قد يرى مصلحة كبيرة في توظيف ما عليه إدارة ترامب وأجندتها لصالح الأجندة الإسرائيلية الساعية من أجل زيادة الصراعات البينية في المنطقة، لا من أجل تسويات سياسية لأزماتها.

وفي داخل إدارة ترامب، وفي الحزب الجمهوري ولدى عددٍ من المموّلين المحافظين له، من هم أيضاً يحبّذون الحلول العسكرية لبعض الأزمات الدولية، وهؤلاء يلعبون الآن دوراً مهمّاً في صنع القرار الأميركي، وربما يجدون مصلحة كبيرة في تطوّرات عسكرية في الشرق الأوسط، كالسياسة التي كانت قائمة خلال حقبة جورج بوش الإبن والتي هيمن عليها «المحافظون الجدد»، وهؤلاء عاد بعضهم الآن لدوائر صنع القرار الأميركي، وهم يسوّغون طروحاتهم لدى القاعدة الشعبية لترامب ولدى الناخبين «الجمهوريين» بأنّ معظم الأميركيين سيقفون خلف رئيسهم حينما تكون أميركا في حالة حرب، وبأنّ ذلك هو الذي سيبقي الحزب الجمهوري مهيمناً على مجلسيْ الكونغرس في الانتخابات المقبلة.

يتكرّر سيناريو حكم المحافظين الجدد حالياً مع وجود ترامب في رئاسة أميركا، الذي وصل للحكم بدعمٍ من تيّار عنصري وديني محافظ، وبترحيبٍ قوي من الجماعات الصهيونية المؤيّدة للحكم المتطرّف في إسرائيل، وحيث هناك أيضاً أجندة داخلية وخارجية يسعى ترامب إلى تنفيذها.

إنّ الجبهة الإسرائيلية مع سوريا ولبنان هي من المواقع المؤهّلة لتطوّرات عسكرية كبيرة، والتي قد يتمّ استخدامها لتغيير مسار الأزمات المشتعلة حالياً في المشرق العربي، وحيث يُحقّق فيها خصوم أميركا تقدّماً على الأرض. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تحدّث أكثر من مصدر مسؤول أميركي عن احتمال قيام الولايات المتحدة بضربات عسكرية داخل سوريا ضدّ الجيش السوري وحلفائه.

إنّ إدارة ترامب الآن تخضع لتأثيرات قوى ثلاث جميعها ترغب بالتصعيد في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، وهي التي ستتحكّم بالسياسة الخارجية الأميركية في هذه المرحلة. وهذه القوى تجمع بين التيّار الإنجليكي المتصهين والتيّار المعروف باسم «المحافظون الجدد»، إضافة لدور اللوبي الإسرائيلي والعلاقة القوية القائمة الآن بين إدارة ترامب وحكومة نتانياهو. فشرارة النّار موجودة في سوريا والمنطقة حولها، لكن التصعيد في الخلافات بين موسكو وواشنطن وتضارب المصالح الدولية والإقليمية سيجعل لهب النار يمتدّ للعالم بأسره. وهنا خطورة ما يحدث الآن من تغليب في الولايات المتحدة للمصالح الفئوية على حساب المصالح القومية الأميركية.