أصبح التغير المناخي، القضية الأكثر إلحاحاً على المجتمع الدولي في الوقت الحالي، وباتت تأثيراته وتبعاته الخطيرة وواسعة النطاق، ملموسة في واقع حياتنا، فهي لا تقف عند حدود تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، أو ارتفاع منسوب مياه البحار، التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، أو حدوث تغيرات جذرية لا رجعة فيها في النظم البيئية الرئيسة، بل تتعدى ذلك بمراحل، قد تؤثر في النواحي الصحية والزراعية والاقتصادية والاجتماعية والتنوع الحيوي وغيرها.
وقد كان لدولة الإمارات العربية المتحدة، دور هام في المفاوضات التي قادت إلى اتفاق باريس التاريخي، من خلال تقديم التزاماتها الوطنية الداعمة لمعاهدة الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وهو ما يؤكد جدية التزامها بالتعامل مع قضية التغير المناخي، وكذلك تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، التي اعتمدتها الأمم المتحدة لحشد الجهود للقضاء على الفقر ومكافحة عدم المساواة، ومعالجة تغير المناخ، وتطوير القطاعات الحيوية والاستراتيجية.
وتأكيداً لأهمية وعمق الالتزام البيئي الذي تضطلع به دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة، كانت دولتنا من الدول السباقة التي حرصت على دعم بروتوكول كيوتو في عام 2005، للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في البلدان الصناعية، كما كانت أول دولة في المنطقة توقع على اتفاق كوبنهاغن، وذلك خلال الدورة الـ 15 لمؤتمر الأطراف لدعم الاتفاق طويل الأمد بخصوص الحد من الانبعاثات.
وتعمل إمارة دبي على دفع المسيرة في مجالات الطاقة المتجددة والاستدامة والبيئة وتعزيز كفاءتها، حيث وضع المجلس الأعلى للطاقة، استراتيجية لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 16 %، بما يعادل خفض 11 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2021. وأطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، لتحويل الإمارة إلى مركز عالمي للطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، من خلال توفير 7 % من طاقة دبي من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2020، و25 % بحلول عام 2030، و75 % بحلول عام 2050.
وتسعى هيئة كهرباء ومياه دبي، إلى دعم الجهود الوطنية الرامية إلى تعزيز الاستدامة والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، من خلال إطلاق المشروعات والمبادرات والبرامج الخضراء الهادفة إلى زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة، وتحسين كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة والمياه. ومن أبرز تلك المشروعات، مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الذي يعد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم في موقع واحد، وفق نظام المنتج المستقل، حيث ستبلغ قدرته الإنتاجية 5,000 ميغاوات بحلول عام 2030، باستثمارات إجمالية تصل إلى 50 مليار درهم. وسوف يسهم المجمع عند اكتماله، في تخفيض أكثر من 6.5 ملايين طن من انبعاثات الكربون سنوياً.
كما أنشأت الهيئة شركة الاتحاد لخدمات الطاقة «اتحاد إسكو»، لتوفير فرص استثمارية واعدة للشركات المتخصصة في عقود أداء كفاءة الطاقة. ويجري العمل على إعادة تأهيل أكثر من 30 ألف مبنى في إمارة دبي، انسجاماً مع استراتيجية إدارة الطلب على الطاقة والمياه الهادفة إلى الحد من الاستهلاك بنسبة 30 % بحلول 2030، ونعمل من خلال مؤسسة الإمارات لأنظمة التبريد المركزي «إمباور»، أكبر مزود لخدمات تبريد المناطق في العالم، على تسليط الضوء على فوائد تبريد المناطق لكلا القطاعين العام والخاص في جميع أنحاء العالم. ويسعى مركز دبي المتميز لضبط الكربون، على تحقيق الاقتصاد الأخضر، وإرساء معايير تطوير عمليات وخدمات ضبط انبعاثات الكربون في أنشطتنا اليومية.
وقد أقّرت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في عام 2016 «برنامج عمل الأنشطة الشمسية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، الذي أطلقته هيئة كهرباء ومياه دبي، بالتعاون مع مركز دبي المتميز لضبط الكربون، لوضع الخطوط العريضة لتعزيز «آلية التنمية النظيفة» في جميع مشاريع الطاقة الشمسية والمتجددة في الدولة.
وختاماً، أؤكد أن الوضع الملح الآن في ظل التغير الكبير في المناخ، وما يترتب على ذلك من آثار خطيرة، يستدعي العمل على نطاق واسع، على مستوى الحكومات والدول، واتخاذ إجراءات شاملة وواسعة النطاق، لتقليل البصمة الكربونية، والحد من الانبعاثات، والحفاظ على الموارد الطبيعية، من أجل مستقبل مشرق، تنعم فيه أجيالنا القادمة ببيئة نظيفة وصحية ومستدامة.
نائب رئيس المجلس الأعلى للطاقة بدبي، العضو المنتدب، الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي