يقول المثل الأفريقي القديم «ما دامت النمور لا تمتلك مؤرخيها، فإن حكايات الصيد ستظل تُمجد الصيادين»، وإيران اليوم نجحت في اصطياد أفريقيا ووجدت من يمجدها هناك.
عندما أعلنت السلطات الأمنية الغامبية في عهد الرئيس السابق يحيي جامي القبض على شحنة أسلحة إيرانية مُصممة لمهاجمة أهداف ثابتة والتي تستخدمها الجيوش لدعم وحدات المشاة في طريقها إلى إحدى الدول الأفريقية، أقدمت الحكومة الغامبية حينها على طرد الدبلوماسيين الإيرانيين من أراضيها وقطع العلاقات الدبلوماسية، وإلغاء جميع المشاريع المُبرمة بين بانجول وطهران، بعد اتهام غامبيا لإيران بمزاولتها أنشطة تخريبية على أراضيها، وتزامن ذلك بطرد مجموعة من رجال الأعمال اللبنانيين يحملون الجنسية الغامبية، وذلك لقيامهم بممارسات تجارية وصفها الجهاز الأمني الغامبي بغير المقبولة، وأضرت بالاقتصاد الوطني، وتشغيل شبكة أعمال أفريقية في عدد من الدول الأفريقية مثل أنغولا والكونغو الديمقراطية والسيراليون لصالح طهران والتنظيمات التي تدعمها، وأعطتهم مهلة مدتها ثلاثين يوماً لإغلاق جميع شركاتهم المحلية التي اعتبرتها بانجول واجهة لطهران في أفريقيا.
جاء تقرير وزارة الخزانة الأميركية بعدها ليؤكد تفاصيل شبكة التمويل الأولى لإيران في أفريقيا جنوب الصحراء، والتي أطلق عليها شبكة تاجكو، التي نجحت في تأسيس شركات تعمل في مجال الاستثمارات العقارية في عدد من الدول الأفريقية، وبشيء من التفصيل عن نشاط تلك الشبكة فلنبدأ بالكونغو كينشاسا العاصمة الروحية للزعيم الراحل باتريس لومومبا التي شهدت نشاطاً إيرانياً تمثل بتأسيس شركة الكونغو فوتور، التي تبدو ظاهرياً أنها شركة للمُنتجات الغذائية إلا أنها في واقع الحال شركة لتجارة الألماس، أو ما يُعرف بماس الحروب، والمقصود بماس الحروب هو الألماس المُستخرج من مناطق النزاعات، ومن الجدير بالذكر أن دولة بوروندي والتي لا تنتج الذهب، والماس، والرصاص، والكوبالت قامت بتصدير هذه المعادن جميعها وفي وقت واحد بالتزامن مع وجود قواتها في الأجزاء الغربية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، فالكونغو كينشاسا ما زالت إلى اليوم منجماً للثروات الطبيعية ولكنها تعيش في دوامة من الاستغلال والانتهاك غير القانوني للثروات الطبيعية بصورة تستدعي دق جرس الإنذار، ومن المُفارقات المؤلمة إنني أثناء سفري إلى رواندا توقفت في مقاطعة باندوندو الكونغولية وبالتحديد في مدينة كيكويت واصطحبني أحد الأصدقاء إلى ندوة تتحدث عن تاريخ شركة دي بريز في أفريقيا والذي يرجع لعام 1881، والمستحوذة على سوق الألماس العالمي، وخرجت من تلك الندوة لا أتذكر شيئاً إلا ما قاله أحد الحضور بأن أفريقيا جنوب الصحراء واقعة تحت وطأة مصلحة مُربحة لجميع الأطراف التي تتنافس على خيراتها ما عدا الأطراف الوطنية، وهذا ما كان يُحاربه رموز أفريقيا ودفعوا حياتهم ثمناً له.
ماذا حدث بعد انكشاف تاجكو؟
في بانجول أصدرت الحكومة الغامبية عفواً رئاسياً عن أفراد شبكة تاجكو وتم إنهاء تلك القضية وحفظها، في دلالة واضحة على حجم الوجود والتأثير الإيراني في تلك المنطقة البعيدة عن الاهتمام العربي والخليجي، أما في أنغولا التي كشفت عن نشاط شركة قولفريت المملوكة بالكامل لشركة أولفيس التجارية، والتي تعتبر جزءاً من العمليات الرئيسية لشبكة تاجكو، فقد قررت الحكومة الأنغولية إيقاف نشاط الشركات التابعة لشبكة تاجكو بسبب الإضرار بالاقتصاد الأنغولي، وحاولت طهران عن طريق رجال الأعمال الذين أوفدتهم إلى لوندا التفاوض مع الحكومة الأنغولية للوصول إلى اتفاق كالشراكة مثلاً، ولكن السلطات الأمنية في لوندا لم تسمح بذلك.
بدت شبكة تاجكو بعد كشفها عبارة عن شبكة متعددة الجنسية، تقوم بضخ ملايين الدولارات لتضمن معاقل جغرافية واستراتيجية للجمهورية الإيرانية، ومن تقوم بدعمه من تنظيمات وميليشيات سواء في أفريقيا أو في مكان آخر من هذا العالم، كانت تلك الشبكة تسمى في أفريقيا بالشبكة المالية الإيرانية، إلا أن ما يُقلق أن تلك الأموال المُتولدة في هذه الاقتصادات الضعيفة وغير المُنظمة في بعض الدول الأفريقية في كثير من الأحيان، يمكن أن تنجح في دعم المنظمات الإرهابية في أفريقيا، مما يسهل ضرب المصالح الخليجية والعربية في أفريقيا جنوب الصحراء، خاصة أن طهران تُفضل تحقيق مصالحها الاستراتيجية حتى لو تعارضت مع أيديولوجيتها الدينية والطائفية، ولنا في موقفها مع أذربيجان المسلمة، والتي تشارك طهران في مذهبها والتي كانت في حالة حرب مع أرمينيا، عبرة حسنة.
نجحت طهران بلا شك في تعويض تهميشها بالتنسيق مع دول الساحة الأفريقية، واليوم تضاعف إصرار طهران على نقل معركتها إلى اليمن والبحر الأحمر مما يؤكد أن التوجهات الإيرانية الاقتصادية ستكون عاملاً ثابتاً، وستوسع إيران نفوذها في أفريقيا، وستجد الدول الأفريقية مُبرراً لتطوير علاقتها مع إيران بعد أن تم وضع حد للعراقيل التي كانت تقيد طهران في أفريقيا.
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي