كما هو معروف فإن أدوات القوة التقليدية تتكون من القوة العسكرية والمعلومات بمعناها الواسع والدبلوماسية والإمكانات الاقتصادية. وهناك عنصر مهم من عناصر القوة التي بدأت البلدان في الاهتمام بها مؤخراً، متمثلاً بالقوة الناعمة، ولكن إلى ماذا يشير هذا العنصر المهم في أدوات القوة التي تمتلكها الدول؟
هذه القوة ليست كغيرها من أدوات القوة، حيث إن فيها كثيراً من التلقائية، فسمعة الدولة، وعناصر الجذب والنموذج الذي يمثلها يسهم في بناء هذه القوة. الأداء الاقتصادي والثقافة والإنتاج الفكري والممارسات التي تقوم بها الدولة على الساحتين المحلية والدولية تسند أو تضعف قوتها الناعمة.
فالإنجازات الرياضية أو الفنية تحسب للدولة رغم أن الدولة قد لا تكون لها يد في ذلك. وعدد العلماء والفائزين بجوائز علمية أو أدبية عالمية ينعكس في قوة الدولة الناعمة، وكذلك المراتب المتقدمة للجامعات تحسب لها كإنجازات.
ويقول صاحب هذا المفهوم البروفيسور جوزيف ناي، إن مجال القوة الناعمة هو مجال الإقناع ومجال التمثل نموذجاً يحتذى به، فالنظام السياسي الأميركي وتكافؤ الفرص وحكم القانون مبتغى لكل الناس، وأيضاً أفلام هوليوود والبرامج التلفزيونية الأميركية تحظيان بشعبية جامحة في دول العالم، كما أن اللغة الإنجليزية وهي لغة أميركا هي اللغة العالمية ولغة العولمة. ويحذر ناي من الاعتقاد أن القوة الناعمة شيء حميد، فقد تكون القوة الناعمة حميدة، ولكن قد تكون خبيثة، فالقوة الناعمة التي تقرب بين الشعوب وتنشر الوئام هي بالطبع حميدة. وقد تكون خبيثة إذا ما وظفها الإرهابيون لاجتذاب واستقطاب مجندين لهذه التنظيمات.
وقد لقي هذا المفهوم اهتماماً من قبل الدولة، وأعلنت حكومة الإمارات عن إنشاء مجلس للقوة الناعمة برئاسة وعضوية كبار رجال الدولة، لما توليه من أهمية لهذا العنصر من عناصر القوة. وقد أنيط بمجلس القوة الناعمة، الذي تشكل في أبريل من العام الماضي، حسب ما ورد في جريدة «البيان»، عدة مهام، هي: أولاً تعزيز سمعة ومكانة الإمارات إقليمياً وعالمياً وترسيخ احترامها بين الشعوب، ثانياً رسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة لدولة الإمارات، ثالثاً مناقشة واقتراح المشاريع والمبادرات الداعمة للقوة الناعمة، رابعاً تحديد مجالات منظومة القوة الناعمة، خامساً اقتراح ومراجعة التشريعات والسياسات المؤثرة على سمعة دولة الإمارات.
وفي الواقع فإن الإمارات تتمتع بقوة ناعمة في تصاعد مستمر، وما هذا المجلس إلا نتيجة لهذا التعاظم في القوة الناعمة التي تحتاج دوماً إلى تطوير، وسيكون المجلس معضداً للقوة الناعمة. أما مسبباتها ومشاربها فهي من تاريخ الدولة وإنجازاتها المبهرة التي يرى الكثير في العالم العربي أنها نموذج اتحادي ناجح يلزم الاتباع. ولعل أهم رمز في قوة الإمارات الناعمة هو مؤسسها وباني نهضتها، الشيخ زايد، طيب الله ثراه، فما كان يتمتع به هذا القائد الملهم من شعبية داخل الوطن وخارجه، وما كان يمثله من حكمة واعتدال منح الإمارات مكانة عالية في قلوب وعقول شعوب العالم، وأصبح زايد والإمارات وجهين لعملة واحدة، فزانت الإمارات بزايد، وزان زايد بالإمارات.
وبعد مرحلة التأسيس انطلقت الإمارات إلى فضاءات أرحب، فهي اليوم ثاني أكبر الاقتصادات العربية رغم صغر حجمها الجغرافي والسكاني، وهي الدولة الثانية عالمياً في حيازة الصناديق السيادية، كما أن الإمارات، على سبيل المثال، احتلت المركز الأول إقليمياً والسابع عشر عالمياً في قدرتها التنافسية. ويشتمل هذا المؤشر على عدة جوانب من البنية التحتية إلى الخدمات الحكومية والأطر التشريعية للدولة.
وهناك أيضاً مؤشرات للدور الإنساني الذي تقوم به الدولة، التي تتصدر فيها إمارات زايد الخير، فقد قامت الدولة بعمل جبار لاستئصال أمراض شلل الأطفال. وقد أشادت مؤخراً منظمة الصحة العالمية بدور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فيما قدمه لمكافحة مرض شلل الأطفال. وقامت الإمارات بدعوة إلى استئصال كل الأمراض المعدية في العالم.
ويعيش في الإمارات ما يربو على 200 جنسية من كل أصقاع العالم في وئام بوجه عام. وتوفر الإمارات بيئة طيبة للعيش الكريم وتحمي الحقوق المدنية لهذه الأمم التي تعيش على أرض الدولة، كما أن القوانين والتشريعات تمنع التعدي على المعتقدات وعلى الأديان أو على الأصول العرقية لجميع القاطنين في الدولة، وتحظر كل أشكال التفرقة العنصرية، وتنشد المساواة وترقى الإمارات إلى مستويات عليا من التسامح.
إضافة إلى ذلك فإن الإمارات تحتل مراكز متقدمة في الشفافية ومكافحة الفساد، ففي العام 2017 جاء ترتيب الإمارات 21، متقدِمةً على دول متقدمة مثل فرنسا، التي جاء ترتيبها 23. وفي الحوكمة التي تتشكل من عدة معايير تتعلق بالمساءلة، والاستقرار السياسي، وانعدام العنف، وتأثير الحكومة، والتشريعات، وحكم القانون، ومراقبة الفساد تحتل الإمارات مستويات متقدمة.
الواقع أننا لا نستطيع أن نحتفل بعد، رغم الإنجازات الهائلة التي حققتها الدولة، إلا أن الإمارات لم تحقق المستوى الذي تطمح إليه قيادتها. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «لا نرضى إلا أن نكون في المركز الأول»، وهذا المرام والمراد.
* كاتب وأكاديمي