أن يتحدث أمير قطر عن احترام سيادة الدول، فذلك يحتاج إلى تحليل نفسي معمّق، قبل التحليل السياسي، نظراً لأن نظام الدوحة بالذات جُبل منذ انقلاب الابن على والده في العام 1995، على التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وبالذات الدول العربية، سواء من خلال أبواقه الإعلامية التي جيّرها للتحريض المباشر على الأنظمة والحكومات، أو من خلال احتضانه وتمويله وتدريبه لكل من يعمل على بث الفوضى في بلاده أو نشر الفتنة في مجتمعه.ويمكن لأمير قطر إذا كان مصاباً بالنسيان، دعوة مساعديه إلى أن يقدموا له جرداً عن مسلسل التدخلات القطرية في الدول ذات السيادة على امتداد أكثر من 20 عاماً.
وسيعرف كيف ساهم نظامه في التلاعب باستقرار مجلس التعاون الخليجي، وساهم في ضرب العراق، وتقسيم السودان، وتمزيق النسيج الوطني الفلسطيني، ودعم المتمردين في اليمن، وتدمير ليبيا وسوريا، وتهديد السلم الأهلي في مصر.
واحتضان التيارات المتشددة في دول المغرب العربي، ونشر الإرهاب في القرن الإفريقي، وفي تحويل الدوحة إلى حاضنة لقيادات المعارضات الراديكالية في بلدانها، وتبني ما سمي بالربيع العربي، وصرف مليارات الدولارات عليه، والانحياز فيه إلى تيارات وحركات ترفع لواء الجماعة على حساب المجتمع، وتمارس التكفير والتفجير باسم العمل على التغيير.
دور الجزيرة
ولأمير قطر أن يسأل مثلاً لماذا أغلقت دول مثل المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان والأردن والكويت وفلسطين والعراق والبحرين والمملكة العربية السعودية، وخلال مراحل عدة، مكاتب قناة «الجزيرة» التي يتولى تمويلها والإشراف على خطها التحريري؟ هل مثلاً لأن كل هذه الدول وغيرها، كانت تتآمر على نظام الدوحة أم لأن حكوماتها كانت واهمة في الحديث عن وجود مخطط للتدخل في شؤونها الداخلية؟
وماذا عن أكاديمية التغيير التي افتتحت في الدوحة منذ سنوات، وتخصصت في التحريض على قلب الأنظمة وضرب مقدرات الشعوب واستقرار المجتمعات؟ أليست مثالاً صارخاً للتدخل في سيادة الدول؟
وماذا عن الأموال القطرية التي تصرف على الأحزاب الإخوانية والتيارات المتشددة عند كل تحرك احتجاجي عفوي أو استحقاق انتخابي؟ هل علينا أن نتناساها حتى لا يقال إن قطر تتدخل في الشؤون الداخلية للدول؟ وهل التدخل في شؤون دولة جارة كالبحرين وتبني مطالب دعاة الفوضى الطائفية والاحتراب الأهلي.
ووجود ضباط وعساكر قطريين لدعم قوى الإسلام السياسي في ليبيا، كان من باب احترام سيادة الدول؟ وهل دفع مئات ملايين الدولارات لتسليح الميليشيات واستقطاب المرتزقة وتسفيرهم إلى بؤر التوتر للمشاركة في جريمة قتل الأبرياء وتهجير الآمنين كان شيئاً آخرَ غير التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة أو تلك؟
الواضح أن نظام الدوحة كان يقوم بكل ذلك، اعتقاداً منه بأنه يحق له أن يفعل ما يشاء كما يشاء، ربما انطلاقاً من نظرية الطفل المدلل، أو من عقيدة الثور النطّاح، أو من فتاوى أباحت له التآمر على الجميع، أو من مشروع دولي غامض كان هدفه الوصول بالمنطقة إلى ما وصلت إليه، وربما أكثر، بل ربما كان الهدف أن تعصف العاصفة بالعرب من المحيط إلى الخليج بما لا يدع مجالاً للحديث عن شيء اسمه التدخل في شؤون الآخرين.