نعرّف العقل بأنه صندوق اللغة، وخزان المعلومات، ومستودع الذاكرة وآلة التفكير. وآلة التفكير هذا على صلة وطيدة باللغة والمعلومات والذاكرة ولا شك. ولأن العقل هو هذا فالعقول ليست واحدة بين البشر. ولست متيقناً من أن هناك اختلافاً بيولوجياً بين الناس في طبيعة الدماغ الذي يتحدث عنه بعض العلماء ليفسروا نسبة التفاوت في الذكاء بينهم.

فمن ينطوي عقله على عدد محدود من الكلمات المرتبطة بالحياة الحسية، وحجم محدود بالمعلومات المتعلقة بالحياة اليومية وذاكرة لا تختزن إلا صوراً حسية قليلة فعقله بالضرورة محدود التفكير، فآلة التفكير لديه آلة بسيطة لا تصلح للتفكير في القضايا المعقدة. وعلى العكس من ذلك العقل الذي يختزن عدداً كبيراً من الكلمات والمفاهيم وحجماً واسعاً من المعلومات وذاكرة غنية بالنظريات، فإن آلة التفكير لديه آلة معقدة، وقادرة على التعامل مع الظواهر المعقدة.

تأسيساً على ما سبق نطرح السؤال: ما العقل الساذج؟

جاء في المعاجم بأن ساذج جمع ساذجون وسُذَّج: بسيط غير محنّك قليل النباهة والدّهاء، ينخدع بسهولة، قليل التبصُّر بالأمور، شخص ساذج.

وأسلوب ساذج يدلّ على غباوة صاحبه، حجّة ساذَجة غير بالغة،

رَجُلٌ سَاذَجٌ بَسِيطٌ، مَنْ يُصَدِّقُ كُلَّ مَا تَقُولُهُ لَهُ. حُجَّةٌ ساذِجَةٌ وساذَجَةٌ، بالفتح غير بالغة.

والحق بأن المعنى اللغوي متطابق مع المعنى المفهومي أو الاصطلاحي.

وعليه فإذا ما عرّفنا العقل الساذج تعريفاً فلسفياً عاماً آخذين بعين الاعتبار المعنى اللغوي فإننا نقول: العقل الساذج هو العقل ذو اللغة الفقيرة والمعلومات القليلة والذاكرة الحسية وآلة محدودة التفكير لا نباهة فيه وبسيط قليل التبصر بالأمر، يصدق كل ما يقال له. ونضيف صفة ماهوية للعقل الساذج وهي إن العقل الساذج هو الذي يقف عند ظاهر الأمر، ولا يحفر في الأسباب والشروط غير المرئية التي تقف وراء الظواهر.

فالعقل الساذج بهذا المعنى هو العقل غير القادر على التفسير والتأويل والتحليل والتركيب والاستدلال والاستنتاج، وأهم من كل ما سبق هو العقل غير القادر على التوقع. وعكس ذلك كله هو العقل الذكي. والعقل الذكي هو في الغالب عقل مكتسب. مكتسب من التعلم والدربة، والاطلاع، والخبرة، وإعمال العقل فيما كل ما يتطلب التفكير ومناهجه. ولهذا كلما ازدادت المعرفة وازداد العلم بالأشياء والوقائع، وازدادت عمليات التفكير، ازداد نشاط العقل وقدرته على التوقع.

أجل إن الصفة الجوهرية للعقل الساذج هو العقل غير القادر على التوقع، لأن خلو العقل من القدرة على الاستدلال والاستقراء والتأويل والتفسير يعني خلوه من قوة التوقع لما سيكون. وتوقع ما سيكون يعني وضع حزمة من الاحتمالات، أو ما يسميه علم السياسة السيناريوهات. هذا لا يعني بأن العقل قد لا يخطئ بتوقعاته أحياناً، ولكن دون التوقع لا نستطيع أن نواجه المستقبل. بل إن علم المستقبليات كله قائم على المعرفة التي تسمح لنا بالتوقع.

وإذا كان العقل الفردي الساذج خطراً على صاحبه، فإن خطره يغدو كبيراً جداً إذا ما كان العقل الساذج يفكر عن الكل، وداخل في ورشة التفكير بالمستقبل العام.

ولما كان العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، كما قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، فإن تربية العقل تغدو إحدى أهم مسؤوليات المؤسسات ذات الاهتمام بالحياة الروحية والعقلية والعملية.

 

كاتب فلسطيني