نسارع في القول بأن الإسلام الحقيقي وإسلام السياسة أمران مختلفان في اﻷصل والوظيفة والأهداف ويجب عدم الخلط بينهما.

الإسلام الحقيقي هو دين الشعب وعقيدته وثقافته الدينية ذات العمر الطويل. إنها مجموعة من القيم والمعتقدات والعادات والسلوكيات الاجتماعية. إنه اﻹسلام الذي يظهر في الحياة اليومية بشكل عفوي ولا ينطوي على أي نزعة إرغام وعنف. إنه التدين بمعناه الإيماني والأخلاقي.

الإسلام الحقيقي هو الذي خلق قيم محبة الآخر، والاعتراف بحق الآخر، وعدم العدوان على الآخر، والحض على التعاون مع الآخر واحترام الآخر وحب الوالدين وتقدير الكبير، ومنع الغش والسرقة. الإسلام هو الذي علم الناس عدم النفاق والكذب.

اﻹسلام الحقيقي هذا هو اﻹسلام الذي لا يشكل عائقاً أمام قبول التغيرات الحياتية في السياسة والقيم والمعرفة.

إن الدول المسلمة هي دول اﻹسلام الحقيقي. وشيوخ وأئمة اﻹسلام الحقيقي هم مكون أساسي من وعي الشعب الذي يقدر المعرفة الدينية والوظيفة الدينية ولا يعطي الفقيه أهمية دنيوية.

فيما اﻹسلام السياسي أو إسلام السياسة فهو أيديولوجيا سياسية معبرة عن حزب أو جماعة يهدفان للاستيلاء على السلطة باسم الدين وهذا ظهر عند بعض النخب التي كونت حركات إسلامية سياسية كاﻹخوان المسلمين وحزب التحرير اﻹسلامي والقاعدة وحزب الدعوة وحزب الله وأحزاب الدولة اللاهوتية الإيرانية وما شابه ذلك. وبالتالي ليس هناك أي تطابق بين اﻹسلام الحقيقي وبين اﻹسلام السياسي.

فالإسلام الحقيقي انتماء مبرأ من المصالح السياسية، وبخاصة قضية السلطة والحكم. فيما الإسلام السياسي إسلام السلطة وليس الإسلام الحقيقي.

وهذا الذي يفسر نجاح رياض المالكي القومي العلماني في البرلمان السوري وسقوط الزعيم الإخواني آنذاك مصطفى السباعي في الخمسينات من القرن الماضي في دمشق ذات اﻷغلبية السنية. هذا الذي يفسر ظهور اﻷحزاب اللادينية بأغلبية سنية ومن طوائف أخرى.

ذلك أن الشعب لا يجد للحزب الديني معنى، فهو مسلم ولا يحتاج إلى حزب أيديولوجي ليعلن له إسلامه.

والدين الحقيقي يعارض معارضة حقيقية للعنف الأصولي السياسي ﻷنه دين الحياة المستقرة. اﻷكثرية السنية بعامة هي التي أيدت عبد الناصر.

وليس لدى اﻷكثرية السنية أو الأقليات الإسلامية الأخرى عصبية طائفية وهذا من شيم الدين اﻹسلامي الحقيقي.

وظهور الوعي السني في سوريا والعراق -وهو أمر مؤقت وغير طبيعي-ليس وعياً سياسياً بل وعي أكثرية وجدت نفسها مهمشة ومغبونة من أنظمة ذات عصبية طائفية في احتكار القوة.

فنظام الحكم الطائفي الذي يحكم بوعي قهري انتقامي من السنة خلق لدى السنة وعياً بسنيتهم. وطأفنة أدوات القهر والقمع -الجيش والأمن هو الذي خلق الوعي السني حتى لدى العلمانيين السنة.

إن الوعي السني هنا ليس وعياً دينياً بل وعياً دنيوياً. فأنا لا أعتقد أن وعي صديقنا صادق العظم العلماني السني هو وعي ديني بل هو جزء من الوعي المحتج على السلطة التي وجدت نفسها في ورطة تاريخية لا تستطيع الخروج منها بسبب دكتاتوريتها الطائفية-العسكريتارية.

ولهذا يجب استعادة اﻹسلام الحقيقي. فليس هناك إﻻ وسيلة واحدة لانتصار دين الحياة- الإسلام الحقيقي على دين السياسة أﻻ وهي انتصار الحياة نفسها وانتصار الحرية على اﻷرض وانتصار اﻹنسان الذي وقد تحرر جسده من العوز صار قادراً على أن يقول لا ونعم متى شاء ودون إكراه.

* كاتب فلسطيني