ما من إنسان إلا عاش ويعيش تجربة الأمل، سواء كان الأمل شخصياً متعلقاً بحياته الخاصة، أم كان أملاً كلياً متعلقاً بالمجتمع وبالإنسانية.
ولقد كتب الفلاسفة والأدباء كثيراً عن الأمل وعن نقيضه اليأس، ومن أراد التزود بفلسفة الأمل فليعد إلى الفيلسوفين أرنست بلوخ وإلى إريك فروم.
والأمل بعامة هو رغبة الإنسان في عالم جديد مختلف عن عالمه المعيش، وبهذا المعنى كل أمل هو تصور في الذهن. في ذهن الأفراد أو ذهن الجماعة.
والآمال على أنواع، منها الآمال القريبة والآمال البعيدة. ومنها الآمال المستحيلة والآمال الممكنة.
خيبة الأمل شعور ينتاب الإنسان عندما يعيش تجربة الفرق بين ما كان يأمله ويظنه ويطلبه، وبين ما تحقق على الأرض بحيث يكون ما تحقق أقل مما كان يأمله أو مختلفاً كلية مع ما ظن أنه سيكون، أو فشلاً كاملاً في تحقق ما كان يأمله.
وما يصح على شعور الأفراد من خيبة الأمل، يصح على الجماعات. وإذا كانت خيبة أمل الأفراد ذات تأثير ضيق لا تتعدى الفرد وبعض القريبين منه، فإن تأثير خيبة الأمل على الجماعات تأثير كبير جداً، وبخاصة على مستقبلهم. لأن الأمل متجه دائماً إلى المستقبل.
إن أخطر الآمال الجماعية التي تسبب الخيبة هي الآمال المستحيلة المغرية للفاعلية والسلوك، سواء كانت آمالاً محمودة أخلاقياً أو مذمومة.
فالأمل بشيوعية متخيلة تعيش فيها المجتمعات لكل فرد حسب حاجته، وزوال التفاوت الطبقي وتحول المجتمع إلى أفراد متساوين خارج الملكية، واضمحلال الدولة، وزوال الفرق بين العمل اليدوي والعمل الفكري وبين المدينة والقرية أمل محمود، لكنه أمل طوباوي جداً، وعدم تحقق هذا الأمل بالرغم من قيام الدول الشيوعية، جعل المجتمعات الاشتراكية تعود إلى مرحلة الرأسمالية القاسية. فالخراب الذي عاشته الدول الشيوعية بعد انهيار تجربتها، مرده إلى الخيبة الفاجعة من الأمل المستحيل.
أما الآمال المستحيلة المرذولة فهي الآمال التي تنعقد على تكسير رأس التاريخ وإعادته إلى قديمه الذي انتهى.
كآمال الحركات الأصولية كلها من الحركات الشيعية الأصولية التي تقف إيران وراء دعمها، إلى الحركات الأصولية السنية، إلى الحركات الأصولية اليهودية. فهذه حركات تدمير التاريخ.
أما الآمال الممكنة التي حالت قوى مناهضة لها دون أن تتحقق، فإن الخيبة منها تنتج موقفين: إما موقف اليأس القاتل، والنكوص إلى مرحلة ما قبل الأمل، أو تفكير جديد بأمل ممكن وأساليب جديدة لتحققه الواقعية.
وخيبة الأمل التي تنتج يأساً قاتلاً لدى الأفراد والجماعات تعطل الإرادة الإنسانية والنظرة إلى المستقبل، والاستسلام لواقع ما قبل الأمل. وعلى الضد من ذلك، حين تنتج خيبة أمل ما أملاً ممكناً جديداً، يمد الفاعلية الإنسانية بالقوة القادرة على صناعة الحياة.
ولهذا فإن الخيبة من أمل ممكن واقعي مرتبط بصناعة التاريخ، خيبة يجب أن تجدد الأمل، بواقعية أكثر. فلا يصح التعامل مع الآمال التاريخية الممكنة والواقعية بمثل ما نتعامل مع الآمال المستحيلة. فأنت لا تستطيع أن تعاتب التاريخ على أنه لم يجرِ المجرى الذي أردت بالكمال والتمام. فللتاريخ عقله أيضاً الذي يظهر في الواقع.
فاللحظة التي يمر بها التاريخ العربي حيث تتحطم البنى الديكتاتورية إلى غير رجعة على المستوى التاريخي تبقي الأمل حاضراً رغم خيبة الأمل من الخارج العالمي ومن ظهور الأصوليات. لأن دول العالم الخارجي لا تفكر إلا بآمالها هي، وليس بآمال الآخرين. وإن ظهور الأصوليات القاتلة جزء من تعقيدات التاريخ.
فلا مستقبل إلا للعالم الجديد. المشكلة أن نفس التاريخ طويل ونفس الإنسان قصير. مع أن الإنسان هو الذي يصنع التاريخ في النهاية.
* كاتب فلسطيني