شهد مجتمع الإمارات تحولات كبيرة منذ قيام دولة الاتحاد في 1971. ورصد الدكتور جمال السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، هذه التغيرات وآثارها في كتاب جديد بعنوان «مجتمع الإمارات العربية المتحدة في القرن الحادي والعشرين: قضايا وتحديات في عالم متغير»، ونشر الكتاب في العام الماضي.

ويقول الكاتب إن القضايا الاجتماعية أغفلت بسبب «استغراق الباحثين والمفكرين والمؤسسات التعليمية والعلمية في الاهتمام والمتابعة والتفاعل مع صخب التطورات الضخمة والمتسارعة في المنطقة والعالم، على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتكنولوجية».

والذي أدى إلى «تراجع الوعي الشعبي بقضايا التغيير الاجتماعي بشكل عام» (ص. 12). وقد أتت هذه الدراسة لسد الحاجة لفهم هذه التغيرات التي يعتبرها الكاتب أهم بعد في الأمن الوطني الشامل (ص.13).

وقد قسم السويدي كتابه إلى سبعة فصول والتي تعالج جانباً من جوانب التغيير الاجتماعي التي شهدته الدولة خلال نصف قرن من تاريخ الاتحاد. واستهل الموضوع بفصل حول تجربة الاتحاد وتأثيره على المجتمع الإماراتي. ويرى الكاتب أن من أهم تأثيرات الاتحاد، بل أهمها على الإطلاق، أنها حولت المجتمع الإماراتي إلى الدولة الحديثة وبلورت فكرة المواطنة. وأصبحت الهوية الإماراتية الجامعة تتعالى على ما دونها من هويات فرعية (ص. 27).

كما أثر قيام الاتحاد على منظومة القيم التي تشكل نبراس المجتمع والدولة. قيمة التضامن والتكاتف الاجتماعي أصبحت هي القيمة السائدة. وقد نبع منها أيضا قيم التسامح والذي كان يؤكد عليها الأب المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. التسامح والانفتاح على الآخر قد «ترسخت بفضل تجربة الوحدة وما أحدثته من نهضة كبيرة على المستويات كافة» (ص. 37).

ولكن التغيرات الاجتماعية لا تحدث في فراغ. فهناك سياقات دولية وإقليمية تتفاعل معها المجتمعات، ولاسيما مجتمع الإمارات والذي شهد انفتاحاً كبيراً على العالم. ويرى الكاتب أن العولمة وآلياتها المتمثلة في «ثورة الاتصالات وشبكة الإنترنت والتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي» وظواهر العولمة المتعددة مثل المؤسسات الدولية والشركات العابرة للقارات جعلت من العالم «قرية واحدة صغيرة» (ص. 53).

ورغم ذلك، يرى السويدي بأن الدولة الوطنية قاومت هجمة العولمة واستطاعت المحافظة على توازن المجتمعات. ولم يختف دور الدولة لأنها الفاعل الأساسي في النظام العالمي (ص. 53-57).

وبالنسبة لدولة الإمارات كمصدر للنفط فإن اقتصادها يعتمد على أسعار النفط باعتباره سلعة رئيسة. ويعالج الكتاب هذه الظاهرة المهمة عبر مناقشة عصر ما بعد النفط ومدى استعداد دولة الإمارات للتكيف مع هذه الحالة والتي يرى الكاتب أنها لحظة نعيشها.

وقد انبرت دولة الإمارات لموضوع التنوع الاقتصادي من فترة بعيدة، كما أنها تبنت مشروع التحول من اقتصاد نفطي إلى «اقتصاد معرفي متنوع مرن تقوده كفاءات إماراتية ماهرة، وتعززه أفضل الخبرات بما يضمن الازدهار بعيد المدى للإمارات» (ص. 85).

هذا الهدف ولو أنه كان من المهم معرفة كم تحقق من هذه الرؤية عبر مؤشرات اقتصادية توضح كم انجز من هذه الرؤية. كما أنه من المهم فهم التداعيات الاجتماعية والسياسية لبروز نخبة من الكفاءات والتي ستنهض بالاقتصاد المعرفي.

والاقتصاد المعرفي بطبيعة الحال يتطلب نظاماً تعليمياً ومخرجات تركز على الكيف وليس الكم. ويرى الكتاب في مجال الإنفاق على البحث العلمي.

الإمارات تنفق أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي على البحث العلمي بينما تنفق ألمانيا 2.88%، وبريطانيا 1.7% من إجمالي الناتج المحلي (ص. 105). وقد تداركت الحكومة هذه المسألة وأولت لها اهتماماً بالغاً لردم الهوة بين الإمارات والدول المتقدمة. وأطلقت الحكومة «الاستراتيجية الوطنية للابتكار» في 2014 والسياسة العليا للتكنولوجيا والابتكار في 2015 (ص. 106).

ويناقش الكتاب ما تتعرض له اللغة العربية والتي تشكل الوعاء للهوية الوطنية من تهديدات، خاصة بسبب انتشار تكنولوجيا المعلومات. وتعتبر الإمارات الأولى إقليمياً في التكنولوجيا الرقمية (ص. 125).

ولابد لكل هذه التحولات من إرهاصات تؤثر وتتأثر بالواقع السياسي وهو ما يناقشه الفصل قبل الأخير من الكتاب. ويرى الكتاب أن كل المجتمعات تواجه إشكالية التنمية السياسية لمواكبة التغير الاجتماعي. وفي نظر الكاتب أن الخط التي اتخذته دولة الإمارات نحو الحكم الرشيد أثبت فاعليته، وكذلك التدرج في سياسة التمكين وتوسيع صلاحيات المجلس الوطني وجعله أكثر تمثيلاً عبر انتخاب نصف أعضائه.

وأخيراً وليس آخراً، يتناول الكتاب في فصله الأخير التحديات والفرص التي تواجه مجتمع الإمارات في خضم هذه التحولات الكبيرة. وتحاول خاتمة الكتاب أن تستخلص دلالات هذه التحولات والولوج في مشاريع بحثية أكبر أثارتها المواضيع الذي تناولها الكتاب.

* كاتب وأكاديمي