لو أخبرني أحدهم قبل 20 عاماً أن الشباب العربي سيحلم بفرصة للعيش والعمل في دولة عربية ما، لقلت إنه يحلم أحلاماً لا محل لها من إعراب في الواقع. ولو قيل لي قبل سنوات أن أحاديث كثيرة تدور في الأروقة الشبابية العربية حول ماهية فرص العمل في دولة عربية يتمنون السفر إليها علهم يوجهون مهاراتهم لتناسبها لظننت أن القائل مبالغ مبالغة مفرطة.

ويبدو أن الإفراط في تصور أن الغرب هو غاية منى وكل أمل كل شاب وشابة عربيين قد انتهى أوانه. كما يبدو أن هذه النهاية لم تأت فقط بسبب الأحداث السياسية ومجريات الأمور الأمنية والاقتصادية في عالمنا العربي، والتي كشفت على مدار السنوات الثماني الماضية الكثير من الوجوه الزائفة والأقنعة الكاذبة، لكنها جاءت نتاج تغير حقيقي وبناء واقعي جعل من دولة مثل الإمارات العربية المتحدة الوجهة المفضلة رقم واحد والبلد المفضل للإقامة والعمل للنسبة الأكبر من الشباب العربي.

الشباب العربي الذي ظل حتى الأمس القريب، وعلى مر عقود مختلفة وعصور متتالية، متأرجحاً بين حلم أمريكي وخيال أوروبي حول دفة الحلم صوب الإمارات، وذلك للعام الثامن على التوالي. لكن هذا العام، يبدو لي الاختيار أوضح وأقرب. وبحكم وصول الأبناء إلى مرحلة الانتقال من مسار التعليم إلى طريق العمل وتحقيق الذات، باتت أحاديث التخطيط للمستقبل ومحاولات الإمساك بالحلم وتفعيل أركانه أقرب وأوقع وملموسة عبر المعايشة.

معايشة الشباب والشابات ممن تخرجوا حديثاً في الجامعات أو يوشكون على الانتهاء من الدراسة الجامعية تشير إلى أن دبي باتت مقصداً رئيسياً لا ريب فيه. الجانب البحثي الذي أعلن عنه استطلاع «أصداء بي سي دبليو السنوي» الحادي عشر لرأي الشباب العربي، والذي صدر قبل أيام، يشير إلى أن ما يزيد على اثنين من كل خمسة شباب وشابات يرون في الإمارات العربية المتحدة البلد الذي يريدون العيش والعمل فيه. وبعد الإمارات تأتي كندا ثم أمريكا وبعدها تركيا ثم بريطانيا.

نسبة الشباب العربي الذي اختار الإمارات وجهتهم المفضلة زادت من 20 في المئة عام 2015 إلى 44 في المئة هذا العام، وهي زيادة تعني الكثير. الكثير يتردد على مسامعي من أبنائي وأصدقائهم هذه الآونة عن الإمارات. «تجمع بين تحضر الغرب ودفء العرب» «توفر حياة كتلك التي كنا نحلم بها في أوروبا ولكن في أجواء معيشية ثقافية واجتماعية لا تختلف كثيراً عن بلدنا»، «نموذج عربي أعاد لنا الثقة في قدرة العرب على الخروج من مأزقهم المعيشي المتدهور»، «البلد الوحيد الذي صار وجهة للغرب لا للسياحة بل للمعيشة والعمل والإقامة»، وجمل وعبارات عدة تكشف الوصفة السحرية للتجربة الإماراتية.

التجربة الإماراتية - التي جعلت منها وجهة الشباب العربي رقم واحد ـ جعلت منها نموذجاً يتمنى شباب العرب أن تقتدي دوله بها. وهي دليل دامغ على نجاح الاستراتيجية التنموية المستقبلية للقيادة السياسية. الإمارات على مدار السنوات السابقة قدمت نموذجاً واقعياً وقصة نجاح تتحدث عن نفسها في كيف تكون الدول نقطة ضوء حقيقية لصناعة الأمل وتحقيق السعادة وسحب الاعتراف باللا مستحيل.

وحين تسأل الشباب عما يعجبهم في الإمارات يحدثونك عن بنى تحتية تفوق في جودتها واستمراريتها بنى الدول الغربية. ويحكون لك عن المدن الذكية والرقمنة المستفاد بها لخدمة الإنسانية والجاهزية للمستقبل. ويقصون عليك خطوات اتخذتها الإمارات لتكون في طليعة الثورة الصناعية الرابعة. وبالطبع يسهبون في الحديث عن فلان الذي يعمل في الإمارات براتب مرتفع للغاية، وفلانة التي قفزت مراحل مهنية، وارتقت سلم المهنية في شركة عالمية في فترة زمنية قصيرة.

ألا يكون كل ما سبق توليفة النجاح ويفسر سر الاجتياح الإماراتي لأحلام الشباب العربي؟

الاستطلاع يحدد الأسباب التي تجعل الشباب العربي معجباً بدولة الإمارات، وهي بحسب ما قالوا: فرص العمل التي تمنحها، ثم مستويات السلامة والأمان فيها، وبعدها الرواتب المجزية، ومواءمتها لتكوين أسرة، وتمتعها بمنظومة تعليم عالية الجودة، وأخيراً احتضانها غير الإماراتيين بكثير من السماحة والتسامح ورحابة الصدر.

هذا الاستطلاع لا ينبغي أبداً أن يتوقف عند مرحلة إصدار النتائج والإعلان عن العوامل والأسباب. بل يجب أن تكون هذه هي نقطة البداية للآخرين. هذه النتائج تحوي المشكلة والحل. هذه النتائج في إمكانها أن تضع كلمة النهاية أمام عقود من الادعاءات والإخفاقات والتجهيلات. هذه النتائج يجب أن تشجعنا على المواجهة.

لا لسنا بخير. ولا لم نعد الأمة الأفضل والحضارة الأرقى والثقافة الأسمى على ظهر الكوكب. ولا لا نملك وحدنا أسرار النجاح ومفاتيح الخروج من الأزمات. ولا لا يتحتم علينا اختراع العجلة حتى نخرج من مآزقنا الحالية. علينا الاقتداء بما فعلته الإمارات، ودراسة هذا النموذج الناجح والتجربة الناجعة لنعرف ماذا يريد شباب العرب؟ وسر خلطة النجاح لضمان الاستقرار.

* كاتبة صحافية