تعرف المعاجم العربية الغباء بأنه الجهل وقلة الفطنة، وتضيف بعضها إلى هذه الصفات البلادة وعدم الانتباه. وكلمة الغباء في الأصل تأتي بمعنى الخفاء.

ودعني أيها القارئ العزيز أختصر الأمر تعريفاً بقول: الغباء هو الجهل والعجز عن التفكير. وأشهر أنواع الغباء سبعةٌ:

أولاً: الغباء الخُلْقي: وهو نقص في التكوين البيولوجي للدماغ، فالعلة هنا علة طبيعة وليس لصاحبه ذنب في ذلك. وهذا ما يسميه علم الطب بالقصور العقلي. بعد أن كان يطلق عليه التخلف العقلي. والإعاقة العقلية هذه تمنع صاحبها من ممارسة المهارات الطبيعية للإنسان تام التكوين. وجميع الدول التي تحترم الإنسان، تقوم اليوم بوضع برامج خاصة لتطوير مهارات المعاقين عقلياً. فاحترام الإنسان مهما كان وضعه الجسدي واحدة من أهم القيم الأخلاقية.

ثانياً: الغباء المنطقي: والغباء المنطقي يحرم صاحبه من ربط الأفكار ببعضها بعضاً، والحديث عن نتائج لا علاقة لها بالمقدمات. وهذا يعني الإخلال بمبادئ المنطق الصوري.

ثالثاً: الغباء العلمي: وهو الغباء الناتج عن الجهل بالعلم، والإقرار بنتائجه وأثره على الحياة. وهؤلاء الأغبياء يفضلون الخرافات والأوهام والخزعبلات في تفسير الوقائع وأمور الحياة والمرض، تفسيرات لا علاقة لها بأسبابها الواقعية. وإنكار مبدأ السببية الواقعية. الغبي علمياً يُقر بمبدأ السببية، لكنه يرد الوقائع إلى أسباب وهمية. كأن يفسر المرض بدخول روح خبيث إلى الجسد مثلاً ويذهب إذاك إلى المشعوذ وليس إلى الطبيب.

رابعاً: الغباء العاطفي: والغباء العاطفي هو الذي يتميز صاحبه بالتبلد وفقدان القلب المحب والتعاطف مع الآخرين، والذي قد يصل بصاحبه إلى حد تحوله إلى قاتل. فمن المعروف بأن الإيثار والتعاون والتعاطف مع مصائب البشر والمساعدة واحترام الآخر، وتقدير الكبير والتودد للأطفال، جميعها عواطف إيجابية تجاه الآخر. أما إذا انتفت هذه العواطف من نفوس بعض البشر فاعلم بأنك أمام مشروع قتلة.

خامساً: الغباء المصلحي. وهذا الغباء ينتشر عادة عند أولئك الذين ينطلقون من أن الغاية تبرر الواسطة. والطامة الكبرى عندما تكون الغاية وضيعة والواسطة أوضع. إذ ذاك نحصل على كائن يعمل من منطلق: كل شيء مباح إذا كان ذلك في مصلحتي. والانتهازية صورة فاقعة من صور هذا الغباء، فالانتهازية كذب مستتر لغاية مرذولة.

سادساً: الغباء الأخلاقي. يرتبط بالغباء العاطفي والغباء المصلحي نوع من الغباء سيئ النتائج هو الغباء الأخلاقي. والغباء الأخلاقي هو إطاحة الفرد بكل القيم المرتبطة باحترام حق الآخر. فاحترام القيم والقواعد القيمية والقوانين الوضعية الناظمة لها هو الذي يجعل الحياة ممكنة. وغيابها يجعل الوجود الإنساني كله فوضى من سلب الحقوق.

سابعاً وأخيراً، الغباء التاريخي: وهو نوع يصيب الطغاة والجماعات الأيديولوجية وبخاصة الجماعات الدينية والقومية المتطرفة. وجوهر الغباء التاريخ هو التسمر في اللحظة الحاضرة، أو العمل على استعادة لحظة ماضية من التاريخ. وبالتالي نفي السيرورة التاريخية وعدم الإقرار بمنطق التحول والتغير والجدة واختلاف الأحوال. وهذا الغباء هو أخطر أنواع الغباء، لأنه مرتبط بسلوك الجماعات الفاعلة سلباً في الواقع، ويؤدي، حتماً إلى توسل العنف، مهما كان نوعه ودرجته، لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه مهما تسلح الوهم بالإرادة.

ولعمري بأن حضور أي نوع من أنواع الغباء على نحو كبير في مجتمع من المجتمعات أمر يلقي بظله سوءاً على الحياة المجتمعية. أما إذا ظل محصوراً في قليل من الأفراد، غير الفاعلين اجتماعياً وسياسياً ومؤسساتياً، فالضرر، ولا شك محدود جداً. بل لا ينجو مجتمع من المجتمعات من وجود هذا الشكل أو ذاك من أشكال الغباء التي ذكرت.

ولكن تخيل، يا عزيز القارئ، لو أن جماعة من الناس قد اجتمعت بها كل أشكال هذا الغباء، وأصبح بيدها الحل والعقد، فكيف سيكون مصير البلاد والعباد؟!

كاتب فلسطيني