يهيئ لنا أحياناً أننا نفهم الكلمات التي نستخدمها بكثرة ونعي معانيها ومفاهيمها. طالعت خبراً عن مسابقة هي «التسامح في صورة» تنظمها «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح» مع صحيفة «البيان». ولسبب ما بحثت عن معنى كلمة «تسامح» التي لا يمر يوم دون أن ننطق بها أو نسمعها أو نقرأ عنها. وجدت المعنى بالعربية محملاً بأسباب وعوامل تضاؤل التسامح في عالمنا العربي.
يشير المعني إلى أن «تسامح الشخص في الأمر» أي «تساهل» أو «تهاون» فيه! كما أن صفة التسامح هي «الحلم» و«العفو» وسارع المعجم إلى الزج بعبارة توضيحية حيث «لا تسامح» أي «لا تصالح مع العدو ما دام عدواً». واختار المعجم الإشارة فقط إلى «التسامح الديني» الذي هو «احترام عقائد الآخرين».
حتى المفردات لم تخرج عن إطار التساهل والتهاون والصفح والتجاوز، وهو ما يحرم الكلمة من سموها ويسلبها جانباً غير قليل من عظمتها وبهائها.
بهاء التسامح الذي تسلط عليه الإمارات الضوء منذ سنوات لا يتمثل في تقبل عقيدة الآخرين فقط، أو العفو عمن قسى أو ظلم أو جار فقط، أو حتى قبول وجود آخر في محيطنا فقط، لكنه أشمل وأعم. وهو الداء والدواء في الكثير مما يحدث حولنا من أحداث جسام وأهوال محلية وإقليمية ودولية. فالمسألة ليست مجرد قبول من يعتنق معتقداً يختلف عنا دون أن تصدر فتوى بتكفيره أو تحليل تفجيره، لكنها تمتد لتشمل التعايش معه في وئام وسلام واحترام طالما كل يحترم الآخر ومعتقده. وهي كذلك تشمل قبول آراء الآخرين وتوجهاتهم وأفكارهم التي لا تتطابق بالضرورة معنا، طالما لا يفرضونها علينا.
في القواميس الإنجليزية تشير كلمة tolerance إلى القدرة والاستعداد لقبول وجود آراء وأفكار وتصرفات قد لا نحبها بالضرورة. والقبول الطوعي يختلف عن القبول الاضطراري بسبب الضعف أو انعدام الثقة في النفس أو عدم وجود خيارات أخرى. والكلمة بالإنجليزية لا تقتصر على معنى التسامح فقط، لكنها تحوي التحمل أيضاً.
وأدعي أن كثيرين من الأصدقاء والأقارب والمعارف في عالمنا لا يعون المقصود بالتسامح. ويهيئ لهم إنهم متسامحون لأنهم يقبلون بوجود جار مختلف مثلاً إلى جوارهم لكنهم يحرصون على عدم تبادل التحية معه، أو لأنهم يرون في فتاوى تكفير غير المسلمين أو قتلهم إفراطاً في التشدد أو التطرف لكنهم يؤمنون بأنهم حتماً كفار ولن تطأ أقدامهم الجنة.
وأمثلة الخلط بين التسامح والعفو، أو بين التسامح والتعايش كبير. فالعفو يضعنا في مكانة أعلى أتوماتيكياً، ومن يملك العفو أو العقاب يفترض أنه يتربع وحده على القمة. كما أن التعايش يقبع في درجة إنسانية أقل من التسامح، حيث التعايش هو وجود الطرفين المختلفين في زمن ووقت واحد وعدم نشوب خلافات بينهما. أما التسامح فهو درجة أرقى ومستوى أعلى من الإنسانية.
المسابقة تدعو الراغبين إلى استخدام الإبداع كوسيلة مؤثرة لإبراز صور التعايش واحترام الآخر والقيم المشتركة للثقافات. وأغلب الظن أن المتسامح بفطرته أو بحكم بيئته أو بفضل تنشئته وتربيته وتعليمه هو شخص مبدع. لماذا؟ لأن التسامح في حراك مستمر، يتغير ويتطور ويتخذ أشكالاً وأطواراً، ويستحيل استمرار الإيمان به واعتناقه في حال كان الشخص متحجر الفكر متيبس المشاعر.
وأفضل ما في المسابقة، بعد فكرتها التي نحن في أمس الحاجة إليها، هو اختيار الصورة وسيطاً لها، وليس الكلمات والعبارات والقصص والروايات، أو حتى مقاطع الفيديو المصورة. فمازالت الصورة الفوتوغرافية سيدة التعبير، وملكة الإحساس. ووحدها هي القادرة على اقتناص اللحظة وتوثيقها.
كلي شوق لمشاهدة الأعمال المشاركة، ليس فقط للاستمتاع بلقطات التسامح، ولكن للاطلاع على ما تمثله الكلمة من مفاهيم لدى المشاركين والمشاركات. فمن السهل أن نقرض الشعر، أو نخط الكلمات، أو نسرد الحكايات، أو نصنع الأفلام، أو نرسم اللوحات التي تترجم مفاهيمنا عن التسامح. أما أن نلتقط صورة فوتوغرافية عنوانها «التسامح» فهذا يستدعي إبداعاً يليق بالتسامح والمتسامحين.
* كاتبة صحافية