يظل الحديث عن العدالة الاجتماعية «منقوصاً» إذا لم تتحقق مبادئ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، ومن هنا كانت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي أطلقها منذ نحو ثمانية أشهر، وبالتحديد في 2 يناير 2019، من أجل الغوص في أعماق المناطق المحرومة والمجهولة التي كانت قد طواها النسيان، ووقعت من على الخريطة في محافظات مصر المختلفة، لكي يتم انتشالها من جديد، وإعادة تأهيلها لتعود مرة أخرى نقاطاً مضيئة على خريطة مصر، في إطار من تكافؤ الفرص بينها وبين غيرها من المدن والقرى المصرية.
لم تكن المهمة سهلة أو بسيطة، وكان لابد في البداية من الوصول إلى تلك المناطق المبعثرة في محافظات مصر المختلفة، لوضع خطة العلاج وفق الأولويات والضوابط التي تم وضعها لتنفيذ المبادرة التي تستهدف «انتشال» تلك المناطق مما تعانيه من بؤس وفقر وحرمان ونقص في الخدمات.
الرئيس السيسي يعمل وفق أساليب منضبطة وصارمة، وهو لا يحبذ أنصاف الحلول، ويلجأ إلى اقتحام المشكلات الأكثر تعقيداً، ومن هنا جاءت مبادرة «حياة كريمة» التي أطلقها في 2 يناير 2019، وألزم الحكومة بالعمل فيها كفريق متكامل، وقد تم وضع مجموعة من الضوابط والشروط، منها نسبة الفقر، وسوء أحوال شبكات الطرق الداخلية، وضعف المرافق من شبكات المياه والصرف، ومحدودية كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية، وانخفاض نسبة التعليم بهذه القرى والمدن، بالإضافة إلى مدى انتشار ووجود جمعيات أهلية تصلح أن تكون شريكة في النشاط.
هذه المعايير والضوابط تم وضعها للوصول إلى أكثر القرى الفقيرة والمحرومة، التي يبلغ نسبة الفقر فيها 70% فأكثر، وذلك من أجل الارتقاء بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للأسر في تلك القرى الفقيرة، وتمكينها من الحصول على جميع الخدمات الأساسية، وتعظيم قدراتها على تحقيق الحياة الكريمة لتلك الأسر المهمشة والفقيرة.
تم رصد 257 قرية، معظمها في الوجه القبلي، وهى تفتقد للخدمات الأساسية اللازمة لجودة الحياة، واكتشفنا أن للفقر وجوهاً متعددة وليس وجهاً واحداً فقط، فالفقر لا يقتصر على المأكل والمشرب فقط، وإنما يمتد إلى التعليم والصحة والعمل والسكن والمرافق والبيئة.
لقد تم تقسيم القرى الأكثر فقراً إلى مراحل عدة، وتتحمل الدولة نحو 80% من إجمالي التكاليف اللازمة لتطوير هذه القرى، ويتحمل المجتمع المدني نحو 20% من تلك التكاليف، وذلك في إطار من التنسيق والإشراف المباشر من الدولة، حيث إن هناك بعض الجهات الأهلية المتبرعة وشركات تكون متخصصة في نوعية معينة من الخدمات، وهناك جمعيات ورجال أعمال آخرون يقومون بمهمة تطوير قرية أو أكثر أو أقل حسب قدرات ورغبة كل منهم، في إطار من التنسيق بين تلك الجهات والجمعيات، بحيث نصل في النهاية إلى حل مشكلات تلك القرى، بدءاً من تطوير البيوت وما يلزمها من أسقف ودورات مياه وأثاث، مروراً بتحسين الأبنية التعليمية والصحية، ووحدات الخدمة الاجتماعية، وانتهاءً برصف الطرق الرئيسية والداخلية، وإنارة الشوارع وتسميتها، بحيث يتم الانتهاء من كل احتياجات جودة الخدمات والبنية الأساسية، والرعاية الصحية وغيرها، حتى يتحقق مفهوم العدالة الاجتماعية لسكان تلك المناطق التي ظلت محرومة عقوداً طويلة، وتعيش على هامش الحياة يقتلها النسيان والتجاهل، إلا أن تم إطلاق مبادرة «حياة كريمة»، لتحقق لمواطني تلك القرى الحد الأدنى من الحياة التي تليق بما تعيشه مصر الآن من تنمية شاملة، وإصلاح اقتصادي على مختلف المستويات.
المبادرة تستهدف الأفراد والأسر، من خلال تلبية متطلباتهم من وصلات المياه النظيفة والرعاية الصحية ورفع كفاءة المنازل وتجهيز اليتيمات للزواج، ومساعدة الطلاب والتلاميذ في مراحل التعليم المختلفة، وصرف الأجهزة التعويضية لذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير معاش ضمان للمستحقين، وإلى جوار ذلك فهناك الارتقاء بالخدمات العامة للقرية ككل، وتوفير تلك الخدمات التي لم تكن موجودة أصلاً، أو تحسين الموجود منها، مثل المدارس والوحدات الصحية، ومراكز الشباب، والرصف، ومد شبكات المياه والصرف الصحي، وتوفير خدمات الدفاع المدني، وكل ما يلزم لحياة المواطنين في تلك المناطق.