ما بين تنقلي بين شركات الطيران للحصول على مقعد للسفر إلى النيجر وغمرة انشغالي بالكتابة حول ما جاء في القمة الأفريقية الأخيرة في نيامي 2019 والدور الخليجي المتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة جمعني حديث مع مستشار البرلمان النيجري الدكتور جيرو الذي قال لي، «لاحظت ازدياد عدد المشتركين بشكل كبير في موقع العلاقات الخليجية الأفريقية الذي تشرفين عليه، خاصة أن الدراسات والمقالات التي تقومين بكتابتها والمنشورة في موقعكم أراها كماء سبيل، أفلا تخشين من سرقة إنتاجك الفكري وجهودك العلمية، خاصة أن المُتسلقين على نجاحات الآخرين هم الأغلبية.

ولا يهمهم أن ينسب إليهم نجاح لم يبذلوا شيئاً لأجله»، فقلت له يا سعادة المستشار مقالاتي ودراساتي منشورة وجزء منها تمت ترجمته للغات أخرى، وهي مؤرخة بتاريخ وسنوات معينة، والقارئ يستطيع أن يُقارن متى تم نشر تلك الدراسات، ومتى تم الاستيلاء عليها لوضعها بين دفتي كتاب لا يحملُ جهداً بمقدار ما يحملُ انتكاسة ظن صاحبها في لحظة زهو أنه الرائد، فهؤلاء يا صديقي كالخطابات الإعلانية تظل سطحياً كالقشرة تُحرض على شراء سلع ولا تستطيع تأصيل قيم.

استلمت قبل أيام نسخة من كتابي الجديد «العلاقات الخليجية الأفريقية رؤية مستقبلية»، وبالرغم من تناولي لسير تلك العلاقات في سلسلة من الدراسات العلمية المنشورة في بلدي دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربي وحتى في أفريقيا كالدراسة التي حملت عنوان «الحسابات الخليجية في القرن الأفريقي» والمؤرخة في عامي 2016 و2017.

والتي استند عليها الباحثون في كتابة مؤلفاتهم العلمية، إلا إنني وفي هذا المؤلف تناولت مفهوم العلاقات الخليجية الأفريقية من زاوية أخرى، استمعت فيها لآراء النخب الأفريقية وتوجهات القيادات السياسية، ووضعت يدي على أكثر الملفات جدلاً وغموضاً أنستني إرهاق مكوثي في أحد المطارات الأفريقية ثلاثة أيام.

انقسم الكتاب إلى عشرة فصول تناولت في الفصول الأولى العلاقات الخليجية الأفريقية من وجهة نظر أفريقية استندت فيها على رؤية النخب والقيادات الأفريقية الذين تشرفت بلقائهم وأنصتُ إليهم للوصول إلى الحقيقة، تلك الحقيقة التي أوصاني بالبحث عنها ذات مرة إداورد مالوكا المستشار السياسي للرئيس السابق جاكوب زوما عندما ناقشته حول مشكلة أفريقيا الأساسية.

وعندما لاحظ صمتي المدقع، قال لي هذه هي الحقيقة إن كنتِ تبحثين عن الحقيقة، حقيقة لامستها في نظرات أعينهم وتعبيرات أجسادهم وتمتمات شفاههم التي نطقت بكلمات لها ما وراءها، وأنا قارئة جيدة لما بين السطور، لذلك حظيت بتعبير أفريقي بات يطلق عليّ أخيراً وهو غبوواي بلغة أهل الزرما في النيجر، وتعني باللغة العربية أم قشعم وهي «زوجة النسر».

وجهة النظر الأفريقية في مستوى العلاقات الخليجية الأفريقية أدركتها عملياً وهي التي أكسبتني نضجاً فكرياً ما كان ليتحقق لولا تلك الوصية الثمينة التي أعتقد أنني نفذتها بل وتجاوزتها إلى حد بعيد.

كما تناولت في مؤلفي العلاقات الخليجية الأفريقية من وجهة نظر خليجية ولماذا لم يحاول الخليجيون اكتشاف أفريقيا رغم العلاقات المُتجذرة من قبل الإسلام وكيف كان يرى الخليجيون أفريقيا قبل عقدين من الزمان وكيف يرى المجتمع الخليجي أفريقيا اليوم.

وتدرجت بعد ذلك في باقي الفصول للحديث حول أهم الملفات وأكثرها جدلاً في تاريخ أفريقيا الحديث، وكيف تنظر دول الخليج العربي لتلك القضايا التي باتت جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي وكيفية الحفاظ عليه، وختمت مؤلفي بالدور المستقبلي لدول الخليج العربي كما أتوقعه خلال السنوات العشر المقبلة، وكيف يمكن لدول الخليج العربي أن تستثمر في تلك العلاقات في خضم التنافس الدولي على القارة الأفريقية.

كتاب «العلاقات الخليجية الأفريقية رؤية مستقبليه» لم يقم بناءً على آراء شخصية، بل وفقاً لشواهد وتجارب ميدانية وقفنا على أحداثها وقمنا بوصفها كما هي، فكسبنا بذلك مصداقية البحث العلمي وتحليله للخروج بأفضل النتائج والتوصيات، لنقدمها هدية متواضعة لكل مواطن أفريقي، ولكل مواطن خليجي يجد في نفسه تلك القيمة التي لا يعرفها من لم يترفع عن هوى السياسة.

Ⅶ باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي