أَزِفَ موعد انتخابات المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات مع تمنياتنا بالتوفيق لكل المرشحين لهذه الدورة.

إنني أنظر بارتياح بالغ إلى هذه التجربة الجديدة التي بدأت تنمو شجرتها في بيئة مجتمع الإمارات وتورق أغصانها بهذا الشكل الطبيعي الذي نعايشه في هذه الدورة في ظل هذا الحراك الانتخابي الموفق إن شاء الله تعالى، الذي لا شك ستنضج ثماره بتوفيق الله في مستقبل هذه التجربة، ولا يمكنني أن أنظر إلى ذلك إلا من خلال تصغير بعض السلبيات التي يمكن أن تحدث خلال تطبيق إجراءات هذه المشاركة وممارسة دورها.

ولقد حرص المشرِّع الدستوري في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ إنشاء المجلس الوطني الاتحادي على ممارسة حرية الرأي والمشاركة الإيجابية في إدارة دفة العمل السياسي في البلاد بما يضمن تطويره وتفعيله بشكل مرحلي، بحيث مورس هذا العمل الوطني بما يناسب كل مرحلة من مراحله ابتداء من التعيين المحض لكوادره التي قامت بتحمل مسؤوليته وممارسته بشكل ضمن له تثبيت أصول هذه التجربة والخبرة فيها، وربما أنا أحد الشهود على تلك المرحلة التي أدت دورها بنجاح، حيث شغلت منصباً في الأمانة العامة لفترة.

وعايشت ممارسة هذه التجربة بالشكل الذي أدى إلى نجاحها حسب رأيي وقربي عن كثب من هذه الممارسة رغم أن أسلوب اختيار الأعضاء كان وقتها بالتعيين، ولكنه كان اختياراً موفقاً تم إسناد المسؤولية فيه إلى عناصر وطنية معروفة بولائها للوطن وخدمة المواطنين، فقد شارك أولئك الأعضاء حينها بكل جدية واهتمام في إثراء هذه التجربة على أكمل وجه، وكانت فترة مميزة تلك التي تولى فيها المرحوم تريم عمران رئاسة المجلس الوطني، من حيث ارتفاع سقف المطالبات الوطنية وحرية المناقشات وجديتها وتوجيه الأسئلة للوزراء وطرح الموضوعات العامة ومشاركة المجلس في اللقاءات العربية والدولية للبرلمانات، وكانت فترة مهمة في تنشيط هذا العمل البرلماني رغم بعض الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة من حولنا.

وكان دور المجلس مميزاً واتسمت بعض العناصر بطرحها الجريء واللافت من خلال مناقشاتها، وكانت هناك متابعة مجتمعية لجلسات المجلس بشكل جدي لما يطرح ويناقش في تلك الجلسات، وأسهم كثير من الأعضاء في إثراء هذه التجربة رغم أسلوب التعيين لأعضائه كما قلت، إلا أن جدية مشاركة أعضاء المجلس ومواقفهم في اللقاءات الدولية والعربية كانت موضع تثمين وتقدير، وذلك ما شهدته وأنتجته تلك المرحلة من هذه الممارسة التي حققت نجاحاً طيباً، ما أعطى القناعة للقيادة بضرورة تطوير جوانب منها، حيث تناول التطوير جانب اختيار الأعضاء وصولاً إلى هذه المرحلة التي نظمت إجراءاتها في هذا الشكل الذي نراه في هذه الدورة من اختيار نصف أعضاء المجلس بالانتخاب ونصفه الآخر بالتعيين، وإشراك المرأة بالنصف في عدد الأعضاء، لإتاحة الفرصة لهذا الصوت النسائي للتعبير عن رأي المرأة فيما يخصها من قوانين وموضوعات، والأهم في ذلك زيادة عدد أعضائه، لكون مجتمع الإمارات قد زادت نسبة المواطنين فيه عن الفترة السابقة زيادة ملحوظة، ما يتطلب في مقابل ذلك زيادة في عدد ممثليه.

ولا بد أن يكون هذا الأمر موضع اهتمام القيادة، وما يهمني هنا بصفتي متابعاً عن كثب لأداء أبناء الإمارات ومشاركتهم في هذا الحراك الانتخابي الذي ارتحت له، ما جعلني أثني عليه في هذا الحديث، وأهمه أن جلَّ المرشحين هم من فئة الشباب المتحمس للمشاركة في هذا العمل الوطني، والحريصين على خوض غمار هذه التجربة وإنجاحها والإفادة منها رغم أن عدد مقاعد العضوية فيها قليل جداً مقابل هذا الزخم من الإقبال على المشاركة والأمل بالفوز بفرصة التمثيل الوطني، ورغم ذلك فإن نسبة المشاركة كانت عالية جداً لهؤلاء المرشحين الذين حرصوا على خوض هذه المشاركة الفاعلة، التي لا شك ستؤدي إلى نجاح هذا الجانب المهم من هذه التجربة بالشكل والحماس الذي اتسموا به.

وتلك نقطة إيجابية أسهم المرشحون في إنجاحها بجهود مشاركتهم، الأمر الثاني من تميز هذه التجربة هو موضوعات الحملات الانتخابية واختيار أسلوب طرحها وتسويقها بين الناخبين الذين هم الفيصل في نجاح المرشحين من عدمه، من خلال ما قدموه في حملاتهم وبرامجهم الانتخابية فقد شاهدت واقتنعت بمدى جدية مشاركة المرشحين في هذا الشأن من خلال تلك البرامج التي صاحبت حملاتهم الانتخابية التي جاء معظمها في نطاق الخدمة المجتمعية من باب السعي لتطوير حياة المواطنين والوصول بهم إلى مستوى اجتماعي أفضل بحيث امتاز هذا العدد الكبير من المرشحين بتقديم أطروحات انتخابية كثيرة ولافتة المضامين في الحرص على خدمة حياة المواطنين في الدولة، بحيث لم تترك هذه البرامج شأناً من الشؤون التي تخدم المواطن إلا واقترحوه وناقشوه وقدموا رؤيتهم فيه بأساليب جميلة متطورة تنم عن وعي انتخابي عميق رغم حداثة سنّهم وقلة خبرتهم في هذه الجوانب من المشاركة.

وقد قاموا بشرح هذه البرامج من خلال حملاتهم الانتخابية واتصالهم المباشر بالناخبين واللقاءات بهم ومن خلال الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي التي زخرت بهذا النوع من الدعاية والإعلان وخدمة المرشحين، ما أبان عن حسٍّ انتخابي متطور لدى أبناء الإمارات لا شك يعكس كثيراً من الارتياح لهذه الحملات الانتخابية التي قام بها المرشحون لعضوية المجلس الوطني رغم قلة مقاعد العضوية وكثرة عدد المرشحين وكثرة أعداد البرامج المطروحة ونوعيتها، والتي أبانت عن جانب من النجاح في عرضها وتسويقها بين الناخبين وأفراد المجتمع عموماً.

ولا شك أن في ذلك ما يكشف عن مدى تركيز المرشحين ورغبتهم في خدمة مواطنيهم بناء على هذه البرامج الانتخابية المطروحة من قبلهم، لذلك فإنني أرى أهمية هذه التجربة الجديدة، ما يبشر بالخير ويعطي الانطباع الإيجابي عن همَّة أبنائنا وقدرتهم على خوض غِمار هذه التجربة بشيء كبير من الفهم والحماس والطرح العقلاني والمنطقي لهذه الممارسة التي أثبتوا أنهم أهلٌ لها، ولا ينقصهم شيء فيها، ما يطمئن الإنسان إلى نجاح ابن الإمارات في خوض هذه التجربة وإثبات فاعليته بل وتميزه فيها، بغض النظر عمن سيفوز في هذا السباق الانتخابي أو يخسر فيه مع تأكيدي أن الجميع فائز وعلى رأسهم الوطن وتجربته البرلمانية هذه التي نسعى جميعاً قيادة وشعباً ومرشحين وناخبين وغيرهم من المواطنين إلى ترسيخ فكرتها على هذا الصعيد الوطني المهم والمعبرة عن حرص مشترك بين القيادة والشعب في إنجاح هذه الممارسة والسير بها قدماً إلى غاية أبعد وأهم.. ورغبتنا في المجلس القادم أن يقوم بجمع هذه البرامج ودراستها ومحاولة الاستفادة مما يصلح منها للطرح البرلماني في مرحلته المقبلة فإن أغلبها ذو رؤية مجتمعية عالية المستوى لخدمة المواطنين والمجتمع عامة ورأيي أن يتم تكريم كل المرشحين في هذه التجربة الجميلة والثرية بغض النظر عمن فاز منهم أو لم يفز؛ لأننا كما قلنا ونؤكد أنهم جميعاً فائزون.