ما الذي يمكن أن تتحدثي عنه في هذا الملف المجهول؟ لم نكن نعلم أن هناك توجّهاً لكم في أفريقيا؟ هل هناك مختصون خليجيون في الشأن الأفريقي؟ يبدو أن هناك خطأ في العنوان!
تلك التمتمات المتداخلة هي أول ما لامسه سمعي وأنا أتقدم بخطوات ثابتة نحو منصة الحوار الأفريقي في مؤتمر القادة الذي احتضنته العاصمة الكينية نيروبي في خريف عام 2015، حاملةً بين ذراعيَّ ملف العلاقات الإماراتية الأفريقية التي كان يجهلها الحضور، ليقينهم أن حدود تلك العلاقات لا تتجاوز دعم المشاريع الخيرية هنا وهناك، وما إن وصلت إلى المنصة الرئيسة وبدأت الحديث عن تاريخ تلك العلاقات، حتى ساد قاعة المؤتمر هدوء لم يخترقه إلا صوتي، وبدأت أرصد ردود أفعال الحضور التي كانت تتابع بشغف ما أقوله، مما دفعني إلى إلقاء كلمتي عن مسيرة العلاقات الإماراتية الأفريقية وأنا واقفة على قدميَّ، وبدون ورقة تذكّرني بمعلومة قد أتجاوزها أو تتجاوزني، وأنهيت حديثي في ذاك المؤتمر وسط إشادة منحتني جواز مرور مجانياً، أوصلني إلى ما كنتُ أتمنى أن أكون عليه اليوم.
توصف العلاقات الإماراتية الأفريقية بأنها علاقات نشيطة ومتجددة منذ القدم، فهي لم تولد مؤخراً، بل يعود تاريخها إلى تاريخ تأسيس الدولة في سبعينيات القرن الماضي، ولم يسبق دولة الإمارات للقارة الأفريقية في العهد الحديث إلا دولة الكويت التي سبقت دول مجلس التعاون الخليجي بعلاقاتها بأفريقيا المستقلة منذ بداية ستينيات القرن العشرين.
بدأت العلاقات الإماراتية الأفريقية أولاً بمنطقة القرن الأفريقي في عام 1977 عندما دعمت أبوظبي مشروع سكر جوبا ومشروع بربرة برعو في الصومال، وفي الثمانينيات حتى التسعينيات تولّت دولة الإمارات مشروع بناء السدود في المدن الصومالية، وقادت أبوظبي مُبادرة المصالحة بين الأطراف الصومالية التي تمثل بميثاق دبي 2012 الذي يُعد الاتفاق الأول من نوعه بين الحكومة الصومالية وحكومة أرض الصومال منذ أكثر من 21 عاماً، ولأهمية سوق شرق أفريقيا حرصت غرفة تجارة وصناعة دبي على افتتاح أول مكاتبها التمثيلية في أفريقيا عام 2013، ووقّعت اتفاقية مع بنك أوروميا الدولي لدعم قطاع الزراعة والماشية ومُنتجاتهما الصالحة للتصدير، واتفقت أديس أبابا وأبوظبي على تعزيز دور القطاع الخاص في دعم حركة التجارة والاستثمار، وبناءً عليه تم توقيع اتفاقية منع الازدواج الضريبي لحماية وتشجيع الاستثمار، ونجحت الحكومة الإثيوبية في إنشاء أربع مناطق صناعية متخصصة، وهي: ديرداوا، أواسا، كومبولتشا، أديس أبابا، واستعانت بخبرة دولة الإمارات لتطوير تلك المناطق الصناعية.
ومن جانب آخر، أكدت شركة أنظمة سيسير سولار العاملة في مجال الطاقة الشمسية بدولة الإمارات أنها وجدت فرصاً استثمارية في إثيوبيا، وذلك بعد إنشاء أديس أبابا مشاريع كبرى لإنتاج الطاقة الكهرومائية من خلال إقامة السدود، وعرضت الشركة على إثيوبيا إنتاج الكهرباء الرخيصة عبر استخدام الطاقة الشمسية على أن يكون التصميم الهندسي لمصانعها في الإمارات، ويتم بعد ذلك تركيبها في المناطق التي يتفق عليها الطرفان، أما في جيبوتي فتعتبر دولة الإمارات المُستثمر الأكبر في جيبوتي.
فقد منح صندوق أبوظبي للتنمية جيبوتي خمسين مليون دولار لمدة خمس سنوات لتمويل المشاريع التنموية في فبراير 2015، وفي إريتريا، نظراً إلى حداثة الدولة الإريترية التي أعلنت استقلالها 1993 برزت في العام نفسه العلاقات الإماراتية الإريترية التي جاءت داعمه لولادة الدولة الإريترية، ودعم صندوق أبوظبي للتنمية مشروع التوليد والنقل الكهربائي في أريتريا عام 1995، كما دعمت أبوظبي الاقتصاد الإريتري من خلال دعم ميزان المدفوعات عام 2012، وسبق ذلك دعم صندوق أبوظبي للتنمية مشاريع البنية التحتية في أريتريا عام 2009.
لقد تناولت العلاقات الإماراتية الأفريقية بشكل أوسع في جميع الدراسات العلمية المنشورة لي منذ عام 2015 سواء داخل دولة الإمارات أو خارجها، ودائماً ما كنت أناقش جذور تلك العلاقات في طور تخصصي للعلاقات الخليجية الأفريقية، التي كثيراً ما كنت أؤكد أن حضورها الاقتصادي يتفوق على حضورها السياسي، ولكن اليوم أصبح الحضور الخليجي على المستويين الاقتصادي والسياسي يسير بشكل متوازٍ ومتسارع، وتبدو العلاقات الإماراتية الأفريقية اليوم أكثر حضوراً وعلى جميع المستويات مما كانت عليه سابقاً.
ويبقى السؤال هنا ما المتوقع لسير العلاقات الإماراتية الأفريقية خلال السنوات الخمس المقبلة؟ وما أبرز التحديات التي تواجه تلك العلاقات في ظل التجاذبات السياسية؟ وهل رؤية النخب الأفريقية لخط سير تلك العلاقات سيؤثر مستقبلاً في مهندس القرار السياسي الأفريقي؟ وهل تلك الرؤية تختلف من دوله أفريقية لأخرى، ولماذا؟
هذا ما سنجيب عنه في مقال قادم عن رؤيتنا المُستقبلية لسير العلاقات الإماراتية الأفريقية التي تواجه الكثير من التحديات مثلما تنتظرها الكثير من الفرص.