لم تكد تنتهي أديس أبابا من احتفال استلام رئيس وزرائها جائزة نوبل للسلام لعام 2019 لدوره في تحقيق السلام في القرن الأفريقي حتى عادت موجة الاحتقان تطفو على سطح الدولة الإثيوبية، وما ضاعف الإرباك الإثيوبي هو أن من يؤجج له هو حليف الأمس جوهر محمد علي، صاحب شبكة أوروميا الإعلامية، المنسق السياسي للحركة الوطنية للحرية والديمقراطية، ومؤسس رابطة شباب الأورومو الدولية الإثيوبي الأصل والأمريكي الجنسية
برز اسم جوهر محمد عام 2016 عندما وصفت الحكومة الإثيوبية شبكته الإعلامية بترويج الإرهاب، فضاعف نشاطه الإعلامي مما ساهم في إرباك أجهزة الأمن الإثيوبي التي اتهمته وأنصاره بتنفيذ مذبحة بورايو الشهيرة في سبتمبر 2018 وتضاعف الإرباك الداخلي في إثيوبيا أخيراً بعد ارتفاع حصيلة قتلى المظاهرات الأخيرة علماً أن جوهر هو الذي نظم المظاهرات التي أطاحت رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين ودفعته للاستقالة، فهل يريد جوهر إعادة زخم المظاهرات الشعبية لإسقاط أبي أحمد؟
أرى أن تصاعد مستوى الاحتقان والتنافس الطارئ وغير المتوقع عند قطاع كبير من الشعب الإثيوبي بين حلفاء الأمس لن ينتهي إلا لمزيد من الإرباك في الشارع الإثيوبي، فما يحدث اليوم من تصاعد موجة الانتقادات الموجهة ضد أبي أحمد هي محاولة واضحة لإشغاله داخلياً عن ملفات خارجية باتت على رأس أولويات حكومته الطامحة لاتحاد كونفيدرالي مصغر في القرن الأفريقي، وإبعاده من ممارسة أية دور في الملف السوداني مما يرجح أن عودة جوهر محمد إلى إثيوبيا قادماً من الولايات المتحدة في هذا التوقيت ليست مصادفة، فهناك أطراف مستفيدة من حالة الاحتقان في الشارع الإثيوبي، فهي وإن كانت ترغب برحيل أبي أحمد إلا إنها مُستفيدة من بقائه، فهي ترى أن بقاء أبي أحمد مُرتبكاً ومُنشغلاً بالقضايا الداخلية وكيفية القضاء على معارضيه أفضل من بقائه على رئاسة الوزراء قوياً مُستقراً مُتفرغاً لتسريع عجلة التنمية الوطنية وتعزيز مكانته في قلوب المواطنين.
لا أعتقد أن تأتي الانتخابات الإثيوبية المقبلة مايو 2020 بجوهر محمد صاحب مقولة «أنا أورومو ولست إثيوبياً»، فهذه العبارة وإن كانت تطرب قطاعاً واسعاً من عرقية الأورومو التي ينتمي إليها جوهر إلا أن هناك نخباً أورومية صادقة وحريصة على الحفاظ على النظام الفيدرالي، وبالتالي تعتبر تلك العبارة سقطة لجوهر قبل أن يبدأ، وهي التي ستضعف قاعدته الشعبية بسبب إثارته للانقسامات العرقية، وبالتالي من غير المرجح وصول جوهر لرئاسة الوزراء الإثيوبية خلفاً لأبي أحمد إلا إذا اتفقت التيارات السياسية الإثيوبية على عكس ذلك، وهذا مستبعد على المدى القريب، ومن ناحية أخرى قد تستخدم بعض الأطراف طموح الشاب الثلاثيني جوهر محمد لكسب الأورومو باعتبارها العرقية الأكبر في إثيوبيا، وذلك باستخدام حلم الأورومو في قيام دولة مستقلة لهم مثلما استخدمت بعض الأطراف الدولية في زمن مضى حلم التوتسي في قيام دولة التوتسي العظمى في منطقة البحيرات العظمى وحلم عرقية الأيبو في إقليم بيافرا النيجيري، وانتهي بهم الحال بتحويل حلمهم إلى ملف مُهمل في أحد الأدراج المنسية في وكالة المخابرات المركزية.
النظام السياسي الإثيوبي يريد الحفاظ على النظام الفيدرالي وليس من مصلحة القوى الدولية أن تكون هناك دولة لعرقية ما داخل إثيوبيا كما تنادي بذلك مثلاً جبهة تحرير أورومو الانفصالية، بل من مصلحة القوى الدولية أن تدعم التوجه الإثيوبي الحالي والذي يمثله رئيس الوزراء الإثيوبي المتطلع إلى استنساخ النموذج الأمريكي بوجود أحزاب سياسية لا تؤسس بناءً على إثنيات وأعراق، وإنما ترتكز على مصلحة الوطن على غرار الحزب الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، ولكن ما يعيق ذلك هو الواقع الإثيوبي الذي لا يستطيع خلع رداء العرقية والأثنية المُسيطرة على أفريقيا عموماً، فالعرقية حاضرة وبقوة في المجتمع الأفريقي، فهي القاضية في جزء من الدول الأفريقية، وهي الخالقة للأحداث إن أرادت ذلك، وهي الضحية في حالات أخرى، ولسنا بصدد مناقشة دور الاستعمار الأوروبي في تعزيز ذلك عندما كان يختار قبيلة معينة لتكون بدلاً عنه في مُراقبة باقي القبائل في عهد غابر من عمر التاريخ.
ترجح القوى الدولية كفة الاعتماد على إثيوبيا كقوة صاعدة في القرن الأفريقي، وبالتالي لن تسمح بانفراط العقد الإثيوبي، وهذا ما كانت تدركه مصر مبارك وسودان البشير منذ عام 1989، فالقيادة السودانية الحالية أو من سيأتي بعدها أياً كان توجهها هي تدرك تماماً أهمية إثيوبيا في الميزان الدولي ومن هي إثيوبيا في الاستراتيجية الأمريكية بالتحديد، وبناءً على ذلك سيعمل السودان الجديد على إقامة توازن استراتيجي حقيقي مع إثيوبيا، ولن يكون ذلك التوازن بمعزل عن إرتيريا التي ترى أن ذاك التوازن الثنائي لن يتحقق إلا عبر أسمره.
* كاتبة إماراتية متخصصة في الشأن الأفريقي