تبدو علاقة دولة الكويت بإفريقيا مختلفة، فللكويت وضع خاص في إفريقيا لا يمكن أن يدركه المرء وهو يقرأ تاريخ سير تلك العلاقات إلا إذا أخذته قدماه جنوباً من هذا العالم، فلم يأتِ ارتباط الكويت بإفريقيا من القوافل البحرية الكويتية، التي كانت تجوب العالم قبل اكتشاف النفط ولا من منظمات العون الإنساني، التي تزخر بها العواصم الإفريقية قبل ريفها، ولكن جاء الارتباط الكويتي- الإفريقي من رؤية سياسية كويتية قديمة رأت في إفريقيا هدفاً لا بد أن تكسبه، فقبل استقلال الكويت بشهر واحد أرسلت
قوات عربية وإفريقية إلى الكويت لحمايتها من أي غزو محتمل، قد يقوم به الرئيس العراقي في ذلك الوقت عبد الكريم قاسم.
ازدهرت العلاقات الكويتية- الإفريقية في ستينيات القرن الماضي، فالكويت أول من شيد الكليات العلمية الإفريقية لتدريب المعلمين وتحسين جودة التعليم، كما كانت شركة الكويت للنفط من أوائل الشركات الخليجية التي أسهمت في تزويد جزء من الدول الإفريقية بالمنتجات البترولية التي كان معظمها يصل لميناء دار السلام ومنها للدول الإفريقية المجاورة.
ناهيك عن منح بعض الدول الإفريقية شركة البترول الوطنية الكويتية عقود إمداد نفطي، متفوقة بذلك على شركات عالمية كانت قد نافست الكويت للحصول على تلك العقود، ويكفي أن نأخذ مثالاً لترجمة الصورة التي تحظى بها الكويت في إفريقيا.
ففي زامبيا مثلاً وبالتحديد في مارس 2012 دخلت الكويت في منافسة مع خمسين شركة أجنبية قدمت طلباً لتزويد لوساكا بالمنتجات البترولية والنفط الخام لتأتي النتيجة في أبريل 2012 لصالح الكويت، ما دفع الكويت إلى توقيع مذكرة تفاهم مع زامبيا خاصة بتصدير وتطوير الموارد البشرية الزامبية التي تدفقت على الكويت للاستفادة من الخبرة الكويتية في جميع المجالات.
كما أن الكويت من أوائل الدول التي شيدت السدود في إفريقيا، الأمر الذي جعل من «ماسيرو» اليوم الأولى في تعبئة المياه المعدنية وتصديرها للخارج، وتفوقت الكويت في مجال تطوير البنية التحتية، فهي الدولة الخليجية الأولى التي أسهمت بشكل كبير في تطوير الطرق في دول إفريقيا جنوب الصحراء منذ ستينيات القرن الماضي، والشيء المذهل أن جميع الطرق التي تم تمويلها من الكويت يطلق عليها في إفريقيا «طرق جميع الفصول»، أي أنها صالحة للسير في جميع فصول السنة.
كما أن لهذه الطرق ميزة أخرى وهي أنها تربط الدول الإفريقية ببعضها البعض، فالكويت مولت طريقاً ربط بين تشاد، النيجر، نيجيريا، مالي، الجزائر وصولاً لتونس، ما أسهم على الانفتاح في منطقة شمال بحيرة تشاد وعزز التكامل الاقتصادي والإقليمي.
أضف إلى ذلك دور الشباب الكويتي اليوم الذي قام بتأسيس منظمات تتعاون مع منظمات الشباب الإفريقي، أهمها منظمة «كواشا أفريكا» التي باتت ترفع شعار«الكويت من أجل كينيا» ناهيك عن المشاريع الإنسانية.
ويكفى أن يذكر التاريخ أن أول منظمة خليجية وجدت في إفريقيا كانت كويتية وفي مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان على يد السفير الراحل عبدالله السريع الذي كان يقول عنه الأفارقة «أنه لو ترشح أمام جون قرنق لفاز عليه»، والذي بعد وفاته بساعات اكتسح السواد الصحافة الإفريقية التي عنونت نشراتها «لم تبكِ إفريقيا بعد مقتل توماس سانكرا إلا اليوم لأجل عبدالله السريع»، لما له، رحمه الله، من دور كبير في تعزيز العلاقات الكويتية- الإفريقية.
ما يبطئ حركة الكويت في إفريقيا اليوم هو عدم مشاركة القطاع الخاص الكويتي بشكل كبير في إفريقيا، فرغم نجاحه إلا أنه سرعان ما ينسحب فشركة زين الكويتية مثلاً بعد أن استحوذت على قطاع الاتصالات في إفريقيا جنوب الصحراء منذ مارس 2005 وكانت ورقة رابحة وقوية للاقتصاد الكويتي ورسمت للكويت عهداً لتنويع مواردها الاقتصادية بعيداً عن النفط، إلا أنها قامت بعد ذلك ببيع أصولها لصالح شركة بهارتي الهندية في صفقة وصفت بالتاريخية.
أمام الكويت اليوم الكثير من الفرص في إفريقيا وأرى أن تلك الفرص تحتاج لرؤية تُعيد فيها الكويت قراءة إفريقيا لوضع استراتيجية وطنية كويتية إفريقية للقرن الحادي والعشرين.