منذ 68 عاماً، وبالتحديد صباح الجمعة الموافق 25 يناير 1952، كان موعد رجال الشرطة المصريين الأبطال في معركتهم ضد جبروت قوات الاحتلال الإنجليزي التي حاولت كسر شوكة الشرطة المصرية، لكنهم فضلوا الموت بشرف على الحياة مكسوري الإرادة في معركتهم البطولية ضد المحتل الإنجليزي الغاصب.
صباح 25 يناير تحركت قوات الاحتلال البريطاني إلى شوارع مدينة الإسماعيلية، لكبح جماح الغضب المتصاعد ضد قوات الاحتلال البريطاني، بعد أن بدأت بوادر الثورة تتصاعد، مطالبة برحيلهم إلى غير رجعة.
كانت قوات الشرطة المصرية تساند وتدعم جهود الفدائيين الرافضين للاحتلال، وحينما وصل ذلك إلى قائد القوات البريطانية في منطقة الإسماعيلية والقناة عقد العزم على طرد قوات الشرطة المصرية من مدينة الإسماعيلية، وأرسل إنذاراً شديد اللهجة إلى ضابط الاتصال المصري، طالبه فيه بأن تقوم قوات الشرطة المصرية بتسليم أسلحتها.
وزير الداخلية ـ آنذاك ـ فؤاد سراج الدين لم يتردد في رفض الإنذار، وأمر قواته برفضه، والتمسك بمواقفهم، والمقاومة ببسالة ضد المحتل الإنجليزي.
جن جنون القائد الإنجليزي «البريجادير إكسهام» الذي أراد كسر شوكة المصريين وتطويع إرادتهم، وإجبارهم على قبول الإنذار.
وتحرك بقواته المدججة بأحدث أنواع السلاح ـ آنذاك ـ وحاصرت قوات الشرطة، لإجبارها على الاستسلام والخضوع، إلا أن الضباط والجنود المصريين، وعلى قلب رجل واحد، رفضوا الاستسلام، وفضلوا الموت والشهادة على الاستسلام للإنجليز.
فقد القائد الإنجليزي عقله، بعد أن تأكد من رفض رجال الشرطة المصرية الاستسلام ورفع الراية البيضاء أمام ضباط وجنود المملكة البريطانية العظمى التي لم تكن تغيب عنها الشمس.
على الفور، أصدر أوامره بإطلاق النار على قوات الشرطة المصرية بكل قوة، ظناً منه بأن إطلاق النار سيؤدي إلى تغيير موقف الشرطة المصرية، إلا أن طلقات المدافع والدبابات لم تزد الشرطة المصرية إلا ثباتاً، وعقد الرجال العزم على النصر أو الشهادة.
دخلت القوات البريطانية مباني الشرطة المصرية على جثث الجرحى والمصابين، وهو ما دعا الجنرال الإنجليزي البريجادير إكسهام إلى أداء التحية العسكرية لمن تبقى من قوات الشرطة المصرية، اعتزازاً بصمودهم البطولي، وإصرارهم على القتال حتى آخر لحظة.
كانت تلك المعركة هي بداية الفوران والانتفاضة لكل أبناء الشعب المصري، ولم يكد يمر ستة أشهر حتى انطلقت ثورة 23 يوليو 1952، التي عبرت عن رغبة جموع المصريين في الحرية والاستقلال وطرد القوات الإنجليزية المحتلة إلى غير رجعة.
تلك هي عقيدة الشرطة المصرية، مثلها مثل القوات المسلحة، فلا استسلام أو تهاون في حق مصر والمصريين، وإما النصر أو الشهادة.
تمر السنوات ويشتد عود الشرطة المصرية في بسط الأمن والأمان على كل أرجاء الخريطة المصرية.
وفي الوقت الذي تخلصت فيه الدولة المصرية من الاحتلال الإنجليزي عام 1952، نجحت القوات المسلحة المصرية في إلحاق أكبر هزيمة عسكرية بالعدو الإسرائيلي عام 1973، ثم نجحت مصر بعدها في استعادة كامل الأراضي المصرية بالسلام.
في هذا الوقت بدأت تظهر نوعية جديدة من أهل الشر الذين لا يقلون سوءاً عن القوات الأجنبية المحتلة، وبدأت عملياتها القذرة باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في أوج انتصاره ومجده، بعد أن انتصر في معركة الحرب والسلام.
ظلت وتيرة الأعمال الإرهابية تراوح مكانها حتى قامت ثورة 25 يناير وانتشرت معها الفوضى والانفلات، وبدأ مخطط شيطاني لعين يهدف إلى كسر الشرطة وتدمير الدولة.
خطورة الإرهاب أنه يعيش فيما بيننا، ولا يظهر وجهه القبيح إلا في أثناء تنفيذ أعماله القذرة والوحشية، ليقع الشهداء من صفوف الشرطة والجيش، وأبناء الشعب المصري المدنيين الذين ربما تواجدوا في أماكن جرائم الغدر بالمصادفة البحتة.
موقف التلاحم والانسجام بين الشرطة والجيش عام 1952 هو الموقف نفسه الذي يعيشه رجال الشرطة والجيش هذه الأيام في مواجهة الإرهاب، فلا استسلام أو تهاون.
وبهذه العقيدة البطولية، نجحت الشرطة والجيش في استعادة زمام الأمن والأمان، وتسديد ضربات قوية وناجحة ضد الإرهابيين، وهو ما أدى إلى تراجع الحوادث الإرهابية بدرجة كبيرة.
الرئيس عبدالفتاح السيسي لخص الأحداث العاصفة، التي عاشتها مصر خلال الفترة الماضية، حينما قال في احتفالات الشرطة بعيدها: «أهل الشر حاولوا القضاء على الدولة.. وحماها أبناؤها».
* رئيس مجلس إدارة «الأهرام» المصرية