في عام 1963..أي منذ 57 عاماً تأسست منظمة الوحدة الأفريقية، وكانت مصر بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر من الدول المؤسسة والراعية لمنظمة الوحدة الأفريقية، ليس هذا فقط بل إنها كانت البيت الكبير لكل الأفارقة وزعماء التحرر الوطني الذين اتخذوا من مصر سنداً ودعماً لهم ولشعوبهم في نضالهم حتى تحقق الحلم الأفريقي، وتحررت كل الشعوب والدول الأفريقية بلا استثناء.

في عام 2000 تم اعتماد القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي في قمة لومي بتوجو، وظهر الاتحاد الأفريقي إلى الوجود رسمياً بديلاً لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 2002.. أي منذ 18 عاماً، وضم في عضويته جميع الدول الأفريقية (55 دولة) بعد أن انضمت جنوب السودان أحدث مولود أفريقي إلى الاتحاد عام 2011، وعادت المغرب إلى عضويتها الكاملة خلال قمة أديس أبابا عام 2017.

في الاتحاد الأفريقي اختلفت الأولويات عن أهداف منظمة الوحدة الأفريقية، حيث اتجهت أنظار الشعوب إلى نموذج الاتحاد الأوروبي، ونجاحه في لم الشمل الأوروبي، وتحقيق أهداف حرية السفر والتنقل والاندماج الاقتصادي، والعملة الموحدة، وغيرها من الآمال العظيمة للشعوب الأفريقية.

للأسف فإن الحالة الأفريقية ربما تختلف عن الحالة الأوروبية بمراحل من حيث الواقع الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، مما زاد من صعوبة تحقيق أهداف الاتحاد الأفريقي كلها دفعة واحدة، وخلق صعوبات في التنفيذ على أرض الواقع، بما لا يتماشى مع طموحات الشعوب الأفريقية.

أخطر الأزمات الأفريقية تتعلق بمواجهة الإرهاب والتيارات المتطرفة المتمثلة في داعش والقاعدة وبوكو حرام وجماعة الشباب الصومالية وكل التيارات الإرهابية والمتطرفة التي تلجأ إلى العنف والإرهاب لتحقيق أغراضها الخبيثة، وساهمت في عرقلة كل جهود التنمية في العديد من دول القارة.

أعتقد أن بناء أفريقيا الجديدة وحل أزماتها يبدأ من قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية، والقضاء على الجماعات الإرهابية التي تسهم في زعزعة الأمن والاستقرار بالقارة، وتؤدي إلى زيادة حالات الهجرة وازدياد أعداد النازحين من السكان مثلما يحدث الآن في ليبيا، والصومال، ومنطقة الساحل والصحراء.

الأمر المؤكد أن العام الماضي من عمر الاتحاد الأفريقي كان عاماً حافلاً بالتحديات والإنجازات في آن واحد، وهو العام الذي عادت فيه مصر إلى رئاسة الاتحاد بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد سنوات من الجفاء والتجميد والمقاطعة، بسبب الظروف السياسية التي شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير وما تلاها حتى عاد الاستقرار مرة أخرى إلى الدولة المصرية لتعود مصر من جديد إلى أفريقيا، وتعود أفريقيا إلى مصر مرة أخرى.

ربما تكون ولادة اتفاقية التجارة الحرة هي أبرز العلامات المميزة خلال العام الماضي والتي سيكون لها ما بعدها في انطلاق القارة السمراء، وتحقيق آمال شعوبها في الرخاء والتنمية لتكون تلك الاتفاقية هي السفينة التي تحمل معها جميع الدول الأفريقية دون استثناء لتحقيق المنفعة المشتركة لشعوب تلك الدول.

اتفاقية التجارة الحرة القارية تم تدشينها وإطلاقها في القمة الاستثنائية التي رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي بالنيجر، وبلغ عدد الدول التي وقعت على الاتفاقية 54 دولة، وأقرت برلمانات 27 دولة الاتفاقية لتدخل إلى حيز التنفيذ، وتصبح لدى أفريقيا أكبر منطقة تجارة حرة على مستوى العالم، بما تضمه من 1.2 مليار نسمة، ومن المتوقع مضاعفة عدد سكانها إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050.

ميزة الاتفاقية أنها تنهي عصر استنزاف الخيرات إلى خارج القارة، ومن خلال هذه الاتفاقية تتحول أفريقيا إلى أكبر مارد اقتصادي في العالم تسعى الدول الأخرى إلى التقارب أو المشاركة معه، وهو ما انعكس في عقد العديد من اللقاءات والتجمعات التي لم تحدث من قبل مثل مجموعة العشرين وأفريقيا وقمة الاستثمار البريطانية الأفريقية، والقمة الألمانية - الأفريقية، وكذلك القمة الروسية - الأفريقية، وعلى الأراضي المصرية انعقد منتدى الاستثمار في أفريقيا في العاصمة الإدارية الجديدة، ومنتدى أسوان للسلام والتنمية، وكل هذه المؤتمرات أسهمت في زيادة تدفق الاستثمارات إلى أفريقيا، والتسويق لكل المشروعات الأفريقية لدى دول العالم.

الأزمة الليبية تحتاج إلى رؤية أفريقية موحدة في ظل الإصرار التركي على انتهاك السيادة الليبية، ودعم الميليشيات والجماعات الإرهابية في طرابلس، وكذلك في ظل التآمر الدولي من بعض الدول الكبرى المتمثل في الصمت وغض الطرف عن التصرفات التركية.

نتمنى أن يكون هناك ما يشير في البيان الختامي والتوصيات الصادرة عن القمة الأفريقية إلى ضرورة أن تحترم أثيوبيا تعهداتها الدولية والاتفاقيات المائية بخصوص مياه النيل بما يحافظ على حقوق دولتي المصب (مصر والسودان) في حصتهما المائية، وبما لا يتعارض مع جهود التنمية الأثيوبية، من أجل دفع الجهود المبذولة حالياً لتوقيع الاتفاق النهائي بين الدول الثلاث في نهاية الشهر الحالي بالعاصمة الأمريكية واشنطن.