في الشهر الماضي كان اجتماع برلين بخصوص الأزمة الليبية، من أجل إيجاد حل دائم لها، وفي الأسبوع الماضي انطلق حوار جنيف حول الأزمة نفسها، وتكاد المحصلة النهائية لكلا الاجتماعين واحدة، فالنتيجة ليست مرضية على الإطلاق للشعب الليبي، الذي يعاني منذ 9 سنوات مرارة الحرب والإرهاب، وذلك بسبب التدخل التركي السافر في شؤونه، الذي يفسد كل محاولات التوصل إلي حل لتلك الأزمة.
المشكلة أن حكومة السراج، المنتهية ولايتها وصلاحيتها، تريد البقاء وبأي «ثمن»، ولو كان هذا «الثمن» على حساب السيادة الليبية، لأن «السراج» لا يتورع عن ترديد تصريحاته بأنه هو الذي دعا تركيا إلى التدخل، وتلك هي الكارثة، فهو يدعو تركيا إلى قتل شعبه، وإطالة أمد الحرب الأهلية هناك، وإيقاف تقدم الجيش الوطني الليبي، الذي يعد المؤسسة الوطنية الوحيدة المسؤولة عن حماية الشعب الليبي وسلامته.
«السراج» يعترف صراحة بأنه طلب التدخل من أمريكا وبريطانيا وتركيا، وأن الأخيرة هي التي استجابت له، فكيف يمكن للشعب الليبي أن يثق به، وهو يعترف بأنه يطلب من قوات الدول الأجنبية حمايته وحماية الميليشيات الإرهابية المساندة له والموجودة في طرابلس.
في ظل هذه الأجواء المضطربة جاءت الدعوة، التي وجهها المبعوث الأممي غسان سلامة، إلى أطراف الأزمة الليبية، للجلوس على مائدة الحوار في جنيف، وكان من الطبيعي أن نشاهد الانسحابات التي لاحقت هذا الحوار من قبل أن يبدأ من أطراف الأزمة الليبية، لأن هناك حالة من عدم الثقة بين تلك الأطراف بسبب نهج حكومة السراج وميليشياته في التدثر بعباءة التدخل التركي الفج والخطير.
رغم تلك الانسحابات، فقد أصر المبعوث الأممي على إطلاق الحوار بمن حضر، والمؤكد أن نيات المبعوث الأممي غسان سلامة طيبة، لأنه يريد إيقاف نزيف الدم على الأراضي الليبية بأي ثمن، أو التوصل إلى حل دائم للأزمة هناك، لكن النيات وحدها لا تكفي، لأن بداية الحل هي الإعلان الواضح والصريح عن ضرورة رفض التدخل التركي في الشؤون الليبية، وضرورة مطالبة تركيا بسحب قواتها ومعداتها وأفرادها من الأراضي الليبية، لتهيئة المناخ العام الليبي من أجل إطلاق حوار داخلي بعيداً عن الضغوط الخارجية، وصراع المصالح، وبارونات الحروب، وكلها عوامل أدت إلى تحويل الأراضي الليبية إلى منطقة للحرب بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه فقد أسهم هذا الصراع في توفير الحماية للإرهابيين والمرتزقة الفارين إلى المناطق غير المحررة حتى الآن، التي تخضع لسيطرة حكومة السراج في طرابلس ومصراتة.
أعتقد أن علاج الأزمة الليبية يقتضي قدراً أكبر من الوضوح والصراحة، وإلا فالأزمة ستكون في المربع رقم واحد دون حل جذري، والبداية تكمن في ضرورة التصدي للتدخل التركي، والضغط على «السراج»، حتى يقوم أولاً بإنهاء الاتفاق غير الشرعي مع تركيا، فلا يمكن أبداً «شرعنة» التدخل الأجنبي للقتال ضد الجيش الوطني الليبي والقبائل ومجلس النواب الليبي، وغيرهم من جموع الشعب الليبي، ومؤسسات الدولة الوطنية الليبية، التي تقف إلى جوار الجيش الوطني، لاستكمال مهامه في بسط كامل نفوذه على كل الأراضي الليبية.
في تلك الحالة فقط يمكن أن يدعو المبعوث الأممي غسان سلامة إلى حوار ليبي داخلي من أجل وضع خريطة طريق لإطلاق العملية السياسية، التي تستهدف وضع دستور متفق عليه بين أبناء الشعب الليبي، ثم انتخابات رئاسية وبرلمانية، لتعود ليبيا إلى دورها العربي والإقليمي والدولي.
تحولت ليبيا إلى وكر وملاذ آمن للإرهابيين والفارين من بقايا «القاعدة» و«داعش»، ورغم كل تلك الظروف الصعبة فقد استطاع الجيش الليبي، بقيادة خليفة حفتر، «لملمة» شتاته مرة أخرى، ليعيد فرض الأمن والهدوء على مناطق كثيرة من ليبيا، ولم يعد هناك سوى العاصمة طرابلس وبعض المناطق المتاخمة لها، وكان من المفترض أن يساعد «السراج» وحكومته المزعومة الجيش الوطني الليبي، خاصة أنه يرى التفاف الشعب الليبي حول جيشه الوطني، وكذلك تأييد مجلس النواب الليبي، برئاسة عقيلة صالح، خطوات الجيش الليبي، من أجل إنهاء معاناة الشعب الليبي المتصاعدة.
أعتقد أن دور الشعب الليبي الآن هو الفيصل في إنهاء هذه الأزمة، بعد أن سئم الفوضى والانفلات، وإهدار موارده وثرواته لمصلحة الميليشيات، وبارونات الحرب، والأطماع الخارجية، وهو وحده الذي يجب أن يعلو صوته، لمساندة جيشه الوطني، ودعم مجلس نوابه الشرعي، والوقوف صفاً واحداً من أجل استكمال باقي تحرير الأراضي الليبية في طرابلس والمناطق المحيطة بها، لتنتهي المأساة التي يعيشها أبناء الشعب الليبي، وتعود ليبيا دولة قوية موحدة لكل مواطنيها، في إطار من العدالة وسيادة القانون.