تثير استخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلفة، الجدل حول تأثير هذه التطبيقات على العمل والعاملين، وينقسم المختصون حول طبيعة هذا التأثير، ففريق منهم يرى أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل العمل الإنساني؛ في حين أن فريقاً آخر يأخذ على تطبيقات الذكاء الاصطناعي الآخذة في الانتشار أنها قد تحرم الإنسان من العمل، والذي هو مصدر الدخل والحماية الاجتماعية والصحية، ويستند كل من هذين الفريقين إلى افتراض أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتضمن مخاوف وفرصاً على حد سواء.
والواقع أن كلاً من المخاوف والفرص في تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تتوقف على طبيعة هذه التطبيقات في ذاتها؛ بل هي مرتبطة بالسياق الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، والتي بمقدورها أن تعظم المخاوف أو تقلصها، أو تعظم الفرص المتاحة من جراء هذه التطبيقات وإدماجها في إطار تعزيز مكانة الإنسان وترقية العمل وإعفاء العامل من تلك المهمات المتكررة والبسيطة، والتي يمكن للآلة القيام بها، وتأهيل الإنسان للقيام بالعمليات المعقدة، والتي تنطوي على الابتكار والإبداع.
يركز الفريق الأول على التقدم والفرص التي يتيحها استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تجنب الحوادث عندما تكون السيارات مجهزة بتطبيق يمكنه رصد أحد المارة أثناء السير ويقوم بفرملة السيارة لتجنب الحادث، كما تقوم شركات المعلومات كـ«فيسبوك» و«جوجل» بفلترة المحتوي السيئ والعنيف، والذي يحض على الكراهية والإرهاب، من ناحية أخرى فإن السلبيات الممكنة يمكن تجنبها ولن تستمر سوى فترة ضئيلة، لأن كل تكنولوجيا يمكن أن تتضمن بعض الجوانب السلبية، والتي يمكن تصحيحها في ما بعد.
أما الفريق الآخر فيركز علي المخاوف التي تنطوي على استخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد والشركات، والتي تتمثل في قيام الآلة بعمل الإنسان، ومن ثم الاستغناء عن العاملين وتعرضهم للبطالة وفقدان الحماية الاجتماعية، وينطوي ذلك على أسطورة مفادها أن الذكاء الاصطناعي يعادل أو قد يفوق الذكاء الإنساني، وفي الواقع فإن هذا الذكاء الاصطناعي لا يعدو أن يكون مجرد «برنامج» لتنفيذ أعمال معينة ومتكررة، على ضوء المعلومات التي زوده بها المبرمج أي الإنسان الذي يقوم بهذه المهمة، من ناحية أخرى فالمؤكد أن العديد من المهن ستتعرض للاندثار والانقراض، ولكن في مقابل ذلك فإن العديد من المهن الجديدة والمرتبطة بالذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة، ستظهر ويزداد الطلب عليها مثل البرمجة ومحلل المعلومات والمشرفين على محتوى هذه البرامج والمعلومات والمراقبين للمحتوى، وذلك فضلاً عن المهن المرتبطة بإدارة وصيانة وتجنب المخاطر باستخدام المعطيات الشخصية للأجهزة والمؤسسات التي تستخدم هذه التطبيقات.
تشير التقارير والدراسات حول علاقة وتأثير الذكاء الاصطناعي على العمل، إلى أن الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي تمتلك كوادرها وهياكلها التنظيمية مهارات متقدمة وتعليماً وإعداد جيداً وتدريباً مستمراً، للتأقلم مع ثورة الذكاء الاصطناعي، ستتأثر بدرجة أقل من تلك الشركات والمؤسسات ذات الكوادر المتواضعة في المهارات والتدريب والتعليم.
خلاصة هذا الجدل في الدوائر المختصة المعنية بالذكاء الاصطناعي ودراسة تأثيره في العمل وبيئة العمل هي أن الذكاء الاصطناعي كأية تكنولوجيا يمكننا أن نصنع منها فرصة صديقة للإنسان وتحرره من بعض الأعمال التي يمكن للآلة أن تقوم بها، كما يمكننا أن نصنع منها خطراً في غياب القواعد والأطر الأخلاقية والقانونية التي تحدد طبيعة الاستخدام ومجالاته.
وحتى الآن فإن مجالات تطبيق هذا الذكاء الاصطناعي في زيادة الإنتاجية وتعظيم الناتج وخلق أسواق جديدة مثل «السيارات ذاتية الحركة» وتحسين بيئة العمل وتحرير طاقة الإنسان على الابتكار ومواجهة المشكلات المعقدة تبدو مكملة للعمل الإنساني ولا تتعارض معه.
المؤسسات والشركات والهيئات ينبغي أن تدخل في سباق لمعالجة آثار استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك بتنفيذ الاستحقاقات الضرورية والمهارات المطلوبة وخاصة تحديد ما الذي يجب أن تتم معالجته بهذه التطبيقات وما لا يجب، كذلك أيضاً بلورة برامج للتدريب والابتكار والتطور في مجال المعلوماتية، وأيضاً تأمين الانتقال المهني من مهنة لأخرى في القطاعات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في جانب كبير من أدائها، وذلك من خلال تأمين الأفراد وتدريبهم وتسهيل التحول المهني.
صمام الأمان الوحيد لتقليل المخاوف وتعظيم فرص الاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة وخاصة الذكاء الاصطناعي، يتمثل في تعزيز قدرة الإنسان على السيطرة والتحكم في نتاج إبداعه وابتكاره، وهي قدرة تتناسب طردياً مع التطور العلمي والتكنولوجي وترتكز على حصيلة الخبرات التي راكمها الإنسان في سياق هذا التطور عبر القرون.