يعتبر نجاح القائمة العربية المشتركة في الحصول على 5 مقاعد في انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين، من أبرز النتائج التي أسفرت عنها هذه الانتخابات، وهذا النجاح هو بمثابة «زلزال» سياسي كما قالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، تتشكل هذه القائمة من أربعة أحزاب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير، والقائمة العربية الموحدة، وهذا النجاح يجعل من القائمة المشتركة التي تعبر عن مطالب المواطنين الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل والمجتمع العربي- الفلسطيني في إسرائيل بمثابة رقم صعب في المعادلة السياسية الإسرائيلية الداخلية لا يمكن تجاوزها أو تهميشها كما ترغب في ذلك التيارات السياسية الرئيسية في إسرائيل، والتي تؤمن جميعها بالأغلبية اليهودية في تشكيل الحكومة الإسرائيلية.

ووفقاً لمصادر إسرائيلية أوردت أرقاماً لم تتأكد بعد فإنه من بين المقاعد الـ15 التي حصلت عليها هذه القائمة، مقعدان بأصوات يهودية من قائمة حزب العمل وجيشر وميرتس، كما حصلت القائمة على 87% من الأصوات من البلدات والمدن العربية، و10% من الأصوات من البلدات المختلطة التي يعيش فيها اليهود والعرب وما يقرب من 3% من بعض المدن الإسرائيلية.

وبصرف النظر عن الأرقام، فإن ما يهم في المقام الأول هو الدلالة السياسية لها، حيث تفصح هذه الأرقام عن حدوث ظاهرة تصويت المواطنين العرب الفلسطينيين للأحزاب العربية بدلاً من التصويت للأحزاب الصهيونية، وهي ظاهرة تبدو معاكسة لما سبقها، بالإضافة إلى اتجاه جزء ولو صغير من ناخبي اليسار للتصويت للأحزاب المشكلة للقائمة.

من ناحية أخرى فإن الإنجاز التاريخي البرلماني للأحزاب العربية في إسرائيل يتجاوز الهدف الصهيوني منذ نشأة الدولة، والذي كان يتمثل في عزل المواطنين العرب في إسرائيل عن الشعب الفلسطيني من خلال المواطنة والتصويت، لأن هذا الإنجاز يتحقق بفضل إدراك العرب الفلسطينيين ذوي المواطنة الإسرائيلية لحقيقة وطبيعة المخاطر التي تترتب على صفقة القرن وإعلان جانبها السياسي في حضور نتانياهو وجانتس وموافقتهم عليها، خاصة ذلك البند الذي يتعلق بتبادل أراضي المثلث واعتبارها جزءاً من أراضي الدولة الفلسطينية المفترضة والمجزأة في هذه الخطة، وهي رسالة واضحة لمقدمي وواضعي صفقة القرن، التي افترضت أن الفلسطينيين مجرد ضيوف في أراضي إسرائيل، مضمون هذه الرسالة أن الشعب الفلسطيني باق في أرضه ووطنه، ويعتقد أن في هذه الأرض ما يستحق الحياة من أجله رغم الحالة النفسية والمعنوية والأحكام العرفية، التي عانوا منها في بدء نشأة الدولة الإسرائيلية، والتي صمدوا في مواجهتها وتمكنوا من جمع قواهم وبناء وحدتهم في مواجهة المشروع الصهيوني والقوانين التمييزية والعنصرية.

في رحلة المواطنين العرب الفلسطينيين في أراضي 1948 منذ النكبة وحتى الآن، تجاوزت الأقلية العربية- الفلسطينية التي تمثل 20% من سكان إسرائيل كل الهواجس التي كانت تحول دون تمثيلهم في مؤسسات الدولة الإسرائيلية مثل المقاطعة والعزلة والأسرلة والإحجام عن التصويت أو التصويت لأحزاب صهيونية، من أجل أهداف محلية وخدمية وما دون ذلك تمكنت هذه الأقلية القوية والصامدة من كسر هذه التابوهات والمحاذير، ودخلت في الممارسة السياسية الميدانية لتحقيق مطالب المواطنين الفلسطينيين في التعليم والصحة، ومناهضة العنف والجريمة في الوسط العربي وتأكيد الانتماء والهوية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وأنهم جزء لا يتجزأ من الحالة الفلسطينية.

يبقى أن ندرك أن كفاح الفلسطينيين وصمودهم في الداخل لا يتعلق فحسب بالتمثيل البرلماني والسياسي في الكنيست أو غيره من المؤسسات، فذلك لا يمثل سوى أداة أو وسيلة لتحقيق مشروع سياسي وبرنامج سياسي أكبر من مجرد التمثيل، مشروع سياسي مناهض للصهيونية.

لقد نجحت القائمة المشتركة في الحؤول دون فوز نتانياهو بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة الإسرائيلية، بل أبدت استعدادها لتأييد مشروع قانون يحظر تولي الحكومة شخص متهم بالفساد، وذلك عند بدء انعقاد الكنيست في السادس عشر من مارس الحالي.

لن يقتصر تأثير نجاح القائمة على الصعيد البرلماني والقانوني بل سيمتد للواقع الإسرائيلي ذاته، وربما يستغرق هذا التأثير بعض الوقت، لكنه قادم لا محالة بفضل وضوح الرؤية السياسية والتلازم بين المكون المحلي والمجتمعي في هذه الرؤية وبين المكون المتعلق بالقضية الفلسطينية، ومنحها الزخم الضروري والحصانة اللازمة لإبقائها حية وتموج بالحياة.

لقد أثبت نجاح القائمة المشتركة في هذه الانتخابات بهذا العدد من المقاعد فاعلية النضال السلمي والمدني والقانوني في مواجهة العنصرية والتمييز والتحريض، وقدرة هذا النمط من أشكال المقاومة على بناء مرتكزات وقواعد للانطلاق نحو المساواة ودولة كل المواطنين.