في كتابه القيم "رؤيتي: التحديات في سباق التميز" وعلى الصفحة (73) يقول سيدي صاحب السمو الشيخ  محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي "هل تعرفون ما هو أقوى شيء في العالم بالنسبة لي؟ إنه القرار الصائب في الوقت الصائب، وأخذ مثل هذه القرارات أهم صفات القائد لأنها تتطلب الجرأة وقوة الإرادة وسرعة البت والإدراك العميق لأبعاد قراره والأهداف التي يريد من قراره تحقيقها. يستطيع القائد بقرار مثل هذا أن يقلب الموازين وأن يسبق الآخرين ويصنع شيئاً من لا شيء ويوفر الحظ الذي يريده لشعبه ولنفسه ويعزز مكانته ويزيد احترام الناس له. إن القيادة هي القدرة على اتخاذ القرار، والقيادة الناجحة هي القدرة على اتخاذ القرارات الناجحة".

جلست أمام هذه الفقرة أقرأها وأعيد قراءتها أكثر من مرة وأتأمل ما تحمله من معان، وما تنطوي عليه من مفاهيم حية تنطق بصحة الرؤية وصواب القرار، وفي ظل أحداث كاشفة ماثلة أمامنا نعيش تفاصيلها اليوم لحظة بلحظة بعد أن عضتنا الأحداث. 

لقد اتخذ سيدي صاحب السمو قرار تأسيس جامعة حمدان بن محمد الذكية منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً، وعهد إليَّ بمباشرة عملية التأسيس تحت الإشراف المباشر لمعالي الفريق ضاحي خلفان تميم رئيس مجلس أمناء الجامعة، وقد صدر قرار تأسيس الجامعة الذكية في وقت كان فيه نموذج الجامعة التقليدية هو الأوفر حظاً، والأولى بالاتباع ليس لدى الغالبية العظمى من الناس العاديين فحسب، ولكن لدى الغالبية العظمى من أهل العلم سواء كانوا من المعلمين أو المتعلمين. 
ترى كيف كان سيبدو الأمر الآن لو لم يصدر صاحب السمو قراره الصائب بتأسيس جامعة حمدان بن محمد الذكية في الوقت الصائب؟ هل كانت الظروف الحالية التي يمر بها العالم بأسره ستجبر عجلة العملية التعليمية على التوقف تماماً خشية انتشار هذا الوباء اللعين؟ وإلى متى تستمر هذه الظروف العصيبة؟ 

وسط هذه الأجواء الصعبة أعلنت الجامعة عن استعدادها لتأهيل جميع المعلمين ليكونوا معلمين عن بعد دون أي مقابل مادي يدفعه المعلم أو الجهة التي ينتمي إليها، فالقرار صدر تلبية لنداء الوطن فكانت الإجابة "لبيك وطني".

انهالت على الجامعة طلبات الالتحاق بالدورات التدريبية التي تعقدها لتأهيل المعلمين للتعليم عن بعد، حتى أنه بلغ عدد الذين سجلوا لحضور هذه الدورات المجانية أكثر من 90,000 من المعلمين حتى كتابة هذه السطور. 

أقول لسيدي صاحب السمو لقد استطعتم سيدي بقراركم الصائب بتأسيس الجامعة أن تقلب الموازين، وأن تسبق الآخرين وتصنع شيئاً من لا شيء، وأن توفر الحظ الذي تريده لشعبك ولنفسك، وها قد أعز الله سبحانه وتعالى مكانتك، وتزايد احترام الناس لك.. إنها كلماتك التي سَبقْتَ بها، أَردُها إليك.

كان لسيدي صاحب السمو رؤية ثاقبة في قراره بتأسيس الجامعة، ذلك القرار الذي صدر بناء على رؤية ودراية ودراسة، ولكن أحداً ممن شهدوا الزمن الصائب الذي أصدرتم فيه قراركم الصائب لم ير ما رأيتم ولم يدرك ما أدركتم، فآثروا السكوت ولزموا الصمت. 

لقد بدأ الناس اليوم في العام 2020م يرون صواب ما كان يراه سيدي صاحب السمو صواباً في العام 2002م، أي منذ حوالي ثمانية عشر عاماً. ولا يمكن لنا أن نفهم ذلك إلا من خلال ما سجله على الصفحة (49) من نفس كتابه القيم، حيث يقول "عندما تطرح فكرة يوافق على صوابها جميع الناس، أو جلهم، ثم يكتب لها النجاح فأنت ركبت التيار وحققت شيئاً لا خلاف على نتيجته. التميز في رأيي هو أن تطرح فكرة تقول أنها فكرة صائبة ويقول الجميع عكس ذلك وتسبح عكس التيار وتحققها. هذه ليست رؤية عادية. إنه مثال على القائد الذي يسبق زمانه وينظر إلى الأفق البعيد فلا يرى سراب الأحلام بل واقع الرؤية الصحيحة في الطريق الصحيح الذي يقود الشعب في مسيرة التنمية إلى مستقبل أفضل".

حقاً سيدي صاحب السمو، لقد كانت رؤيتكم الثاقبة التي مهدت لقراركم الصائب في الوقت الصائب بتأسيس جامعة حمدان بن محمد الذكية تقوم على فكرة لم يطرحها أحد قبلكم، فهي رؤية غير عادية سبحتم بها عكس التيار، حتى أضحت حقيقة واقعــة على يد قائد – كما قلت سيدي – يسبق زمانه وينظر إلى الأفق البعيد فلا يرى سراب الأحلام بل واقع الرؤية الصحيحة في الطريق الصحيح الذي يقود الشعب في مسيرة التنمية إلى مستقبل أفضل.
وتحت القيادة الذكية لسيدي سمو الشيخ/ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، الرئيس الأعلى للجامعة استحضرتْ الجامعة قراركم الصائب في الوقت الصائب ورؤيتكم الثاقبة في تأسيسها، فكان لا بد من رد الجميل وتلبية نداء الوطن، فأمام نداء الوطن لا نملك إلا أن نقول "لبيك وطني".