«لا يوجد هناك أهون من تلك الشخصية التي نقلت نفسها من جانب لآخر، ليس لاكتشافها خطأ ما كانت عليه بمقدار إدراكها ما ستجنيه من عطايا وأموال لتكتشف في النهاية وضاعة ما هي عليه اليوم، ومن يدرك خبايا سلك المخابرات العامة عموماً سيعلم لِمَ كنا نمنح تلك الثقة العرجاء لذلك النوع من الأشخاص».

هذا نص الرسالة التي بعثها ضابط برتغالي إلى أحد رجاله في لشبونة أثناء تولي أنطونيو دي سبينولا، الحاكم البرتغالي، الحكم في مستعمرة غينيا بيساو بعد أن وقع الاختيار على إينوسينسيو كاني، قاتل رمز بيساو الأول أميلكار كابرال.

غينيا البرتغالية أو غينيا بيساو كما يطلق عليها اليوم، واحدة من أكثر الدول الإفريقية إثارة للجدل، فبالرغم من دورها القديم في تحرير أفريقيا من الاستعمار الأوروبي، إلا إنها تكاد لا تذكر، ويرتبط تاريخها بمؤسس الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر، أميلكار كابرال، الذي قاد حملات مُسلحة ضد الاستعمار البرتغالي،.

وما كان للحزب الأفريقي أن ينجح لولا الدعم الذي حظي به من كوبا التي زودت بيساو بخبراء المدفعية وتبعتها الصين الشعبية بالأسلحة، وتدريب كوادر الحزب، حتى نجح أميلكار في السيطرة على ثلثي البلاد، وقويت شوكة الحزب الإفريقي بعد اجتماعه مع جبهة تحرير موزمبيق «الفريليمو» والحركة الشعبية لتحرير أنغولا «مابالا».

واتفق الثلاثة على تأسيس حزب مشترك لتنسيق النضال من أجل استقلال المستعمرات البرتغالية في إفريقيا، وهنا أدركت لشبونة خطورة أميلكار كابرال بما يمثله من قيمة روحية في إفريقيا، فما كان منها إلا اختراق الحزب من خلال أحد أهم المحاربين.

وهو إينوسينسيو كاني، الذي نفذ عملية اغتيال أميلكار في يناير1973، ولكن الحزب الإفريقي لم يتوقف بموت مؤسسه، وتولى القيادة لويس كابرال الأخ غير الشقيق للراحل أميلكار، وأصبح أول رئيس لغينيا بيساو بعد الاستقلال 1974، ولكن سرعان ما أطاح به رئيس الوزراء جواو فييرا في نوفمبر 1980 واصفاً نفسه بأنه هبة الله لغينيا بيساو.

وبالرغم من حديث جواو فييرا بأن الانقلاب جاء لإنقاذ اقتصاد البلاد، إلا أن الحقيقة أن التوجسات العرقية التي لازمت جزءاً من المكونات الوطنية في بيساو لعبت دوراً في الإطاحة بالرئيس لويس كابرال ذي العروق المختلطة، أو ما يطلق عليهم (المولاتو) .

والتي كان يراها رئيس وزرائه المنتمي لعرقية بابيل الأفريقية، أنها سبب كاف لإزاحته، إلا أن حكم جواو فييرا بدأ يترنح عندما أقال الرئيس رئيس الأركان إنسمان ماني 1998.

فما كان من الأخير إلا إعلان التمرد فدخلت البلاد في حرب أهلية انتهت باستسلام قوات الرئيس جواو فييرا الذي لجأ للسفارة البرتغالية ومنها إلى منفاه في لشبونة التي لم يغادرها إلا للعودة مرة أخرى إلى مسقط رأسه بيساو والترشح للرئاسة لعام 2005،.

والتي فاز بها في سابقة وصفت بالخطيرة، وبعد تمكنه من مفاصل الدولة، قام بالتخلص من منافسه القوي رئيس أركان الجيش الجنرال باتيستا تاجمي ناواي باغتياله قرب مكتبه، ليأتي رد أنصار الجنرال باتيستا في اليوم التالي بالتوجه للقصر الرئاسي وقتل الرئيس جواو فييرا لتطوى حقبة أكثر رئيس إثارة للجدل في تاريخ إفريقيا.

يدرك الرئيس الحالي عمر أمبالوا أن أمامه مهمة صعبة، فبيساو دولة تعاني من الاضطرابات السياسية منذ الاستقلال ما أثر سلباً على مؤشر الاقتصاد الوطني، ومن ناحية أخرى، يرغب الرئيس باستثمار الاهتمام الدولي الذي تحظى به غينيا بيساو من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين.

ويمكن تعزيز الدور الإماراتي في غينيا بيساو، من خلال دعم الشركات الإماراتية الوطنية التي تتميز بشراكتها مع الشركات العالمية العاملة في إفريقيا، مثل شركة النابودة الإماراتية، وكلاء إحدى أهم الشركات المصنعة للحافلات والشاحنات.

والعمل على مضاعفة استثمار الشركات الإماراتية العاملة في مشاريع السكك الحديدية والطرق، خاصة أن للإمارات تجربة ناجحة مع شركتي إيسر التي قدمت استثماراً تجاوز المليار دولار لتطوير البنية التحتية في بيساو، وشركة بلمبيك الألمانية، التي عززت القدرة التشغيلية للهيئة المسؤولة عن مراقبة بيساو لمياهها الإقليمية واستثمرت مائتي مليون يورو في قطاع الطاقة وتطوير إمدادات المياه.

* باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي