هذا الوباء الذي ضرب أرجاء الكرة الأرضية بأجمعها، بحيث لم تنجُ منه بلد من البلدان، ولا شعب من الشعوب، والذي لا شك هو خطر داهم ومقلق للناس جميعاً، وقد اتخذت الحكومات كثيراً من الإجراءات الاحترازية من أجل مقاومته، ورغم ما تسببه تلك الإجراءات من خسائر مادية وتكاليف باهظة ووطأة ثقيلة على اقتصادات الدول ورجال الأعمال فيها، فإنها أقل تأثيراً من تفشي المرض واستفحاله، ما يمكن أن يهدد الوجود البشري عامة في تلك الدول، على أن ما تم من إجراءات حتى الآن لم يتعدَ نطاق الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار المرض ومحاصرته حتى لا يمتد إلى مزيد من الإصابات والانتشار، لأن الطب لم يوفّق حتى الآن في إيجاد علاج فعال له مثل بقية الأمراض الأخرى، وذلك ما يجعل هذا المرض خطراً كبيراً سريع الانتشار والتأثير، ما حدا بالعالم أجمع إلى التحرك السريع لاتخاذ إجراءات وقائية لمحاصرة هذا الوباء الداهم حتى لا يمتد إلى نطاق أوسع.

رغم تعاون الدول مع بعضها البعض في هذا الشأن وكثرة الإجراءات المتبعة، التي وصلت إلى حد حجر المريض، ومن يحتك به أو يلتقيه وإلى إغلاق كثير من المؤسسات في المجتمع، اقتصادية وتعليمية واتصالات ومواصلات وخدمات ومنع التجمعات والمكوث في البيت، وعدم الخروج منه إلا لحاجة ملحة تخوفاً مما هو أكبر فيما لو انتشر هذا المرض.

الحمد لله تعالى، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت سريعة في اتخاذ كثير من الإجراءات المهمة والمكلفة كثيراً من أجل محاصرة المرض، والحد من انتشاره ورغم ذلك فإنه لم تخل الدولة من إصابات لكن المطمئن في ذلك أن الأشخاص المصابين قليلون جداً، وبدأ بعضهم في التشافي على أن ما تجدر الإشارة إليه أنه ليست هناك دولة في العالم محصنة ضد انتشار المرض فيها، في ظل يسر السفر والتنقل ولعدم وجود مصل مضاد أو علاج فعال حتى الآن، فإن هذا المرض في هذه الحالة مرشح إلى مزيد من الخطر على الصحة العامة، ونأمل أن توفق مراكز البحوث المعنية في ايجاد المصل والعلاج سريعاً له.

إن وجود هذا المرض يشكل تحدياً للطب المعاصر ويهدد الحياة في جميع الدول، وهذا ما يذكرني حسب ما حكاه لنا الرواة من خلال تتبعنا لأحداث تاريخ بلادنا، حيث إنه كانت تضرب المنطقة في الماضي أمراض مستعصية تخوف الأهالي وتبث الرعب في نفوسهم كالجدري، ويكفي ما كان يحصده هذا المرض من أرواح كثيرة وكذلك الطاعون والجذام، فضلاً عن بعض الأمراض المستوطنة الأخف ضرراً كالتيفوئيد والحصبة والملاريا، والتي لا يعرف لها دواء سوى الوسم والوصفات الشعبية.

فما أكثر ما كان ينتشر الجدري في المنطقة، إذ كان يبدأ بحمى شديدة وبعد فترة بسيطة في حدود أيام يظهر بعض الطفح على الجلد، يجعل الأهالي يعرفون بأن المريض مصاب بالجدري، والذي هو مرض معد فيقومون بعزله خارج منطقة السكن، فالمصابون من ديره يعزلون في المكان الذي به بلدية دبي حالياً، إذ تُبنى لهم بعض البيوت من السعف ويخرج معهم بعض الذين أصابهم المرض سابقاً، وتعافوا منه من أهلهم أو من المستأجرين لهذا الشأن لغرض خدمتهم طيلة فترة المرض، وتكبر مساحة المعزل لكثرة ما ينقل إليها من المرضى، وقد بنى لهم فيها بعد ذلك المحسن محمد علي بدري المعروف بالعضب غرفاً مقابل البحر لإيوائهم فيها تقيهم برد الشتاء وكان يرسل إليهم العبرات محملة بالمواد الغذائية لإعاشتهم وتُخصص أرض بجانب بيوت المعزل لدفن موتاهم فيها، حيث يكثر الموتى من المصابين وبعض قليل منهم يتعافى من المرض، فيعودون إلى بيوتهم بعاهات مستديمة كالصمم أو العمى أو غيرها من العاهات إلا القليل منهم، الذين يمن الله عليهم بالشفاء بدون عاهات، ناهيك عن البثور الكثيرة التي تغطي كامل الجسم وتشوهه وفي فترة لاحقة انتقل مكان المعزل إلى جانب مركز الغرير حالياً.

وكما أخبرني محمد سعيد النيار، رحمه الله، أنه قريباً من عام 1914م أو قبله بقليل ضرب المنطقة مرض الطاعون، وحصد كثيراً من الأهالي، وبات الناس في المقابر يدفنون موتاهم ولكثرة الموتى في هذا المرض سمي العام بعام الرحمة، أي أن الموت كان رحمة للمريض من عناء مما فيه، كما أن من الأمراض التي كانت تنتشر في البلاد مرض الجذام الذي تتقرح أعضاء الجسم بسببه وتسقط، فكان العلاج عبارة عن ربط العضو بشيء من القماش حفاظاً عليه من التأثير الخارجي، وكانت هذه الأمراض مزعجة للسكان، كبيرة التأثير عليهم تهدد حياتهم، وكان مرضى الجذام يعزلون في منطقة الوحيدة المقابلة لميناء الحمرية حالياً، وتخصص لهم مقبرة بجانب سكناهم لدفن الموتى فيها.

على أنه بعد اكتشاف التطعيم اللازم لهذه الأمراض اختفت ولم تعد موجودة وإن ظهر شيء منها حصل المريض على علاجها بيسر وسهولة، وبذلك غدت هذه الأمراض شيئاً من ذكريات الماضي، التي تروى لأبناء الحاضر دون أن يكون لها وجود في حاضرهم، وبذلك تغلب الطب على هذه الأمراض التي تشكل خطورة بالغة على حياة الإنسان عامة، وإنسان هذه الأرض خصوصاً، الذي عانى من تفشيها معاناة كبيرة إلى وقت قريب، فهدى الله الطب إلى اكتشاف مصل تطعيمها وإلى أدوية علاجها، وبذلك انتهت ولم تعد موجودة أو مقلقة للناس، وإنه في ظل التطور العلمي في مجال الطب، فإن الأمل كبير في إيجاد علاج سريع وفعال للمرض، إضافة إلى الإجراءات الفاعلة التي تقوم بها الدول بشكل مدروس، للحد من انتشار المرض فقد تغيرت الظروف وتطور العلاج والخدمات الطبية المقدمة، وإن شاء الله تعالى، سيصبح مرض «كورونا» بعد اكتشاف العلاج له مجرد ذكرى من ذكريات الماضي ليس لها تأثير على حياة الناس، ولن يثير مثل هذه الفاشية والرعب الذي انتشر في هذه الآونة عنه، وسيظل مثل غيره مرضاً عادياً كبقية الأمراض، التي ذكرنا عدداً منها في هذا الحديث.