منذ توليه مسؤولية السلطة رفع الرئيس عبد الفتاح السيسي لواء الدفاع عن الدولة الوطنية بوصفها حجر الزاوية في نهضة وتقدم الشعوب، والحفاظ على مقدراتها، لمواجهة أي تحديات أو مخاطر منظورة أو غير منظورة.
رؤية الرئيس كانت بعيدة المدى، فهو وإن كان قد طرحها في إطار الحفاظ على وحدة الدول وتماسكها في مواجهة ظاهرة الإرهاب، فإن هذه الرؤية الآن هي المسيطرة على كل دول العالم ـ بلا استثناء ـ بعد تفشي وباء «كورونا».
وبعد أن أصبحت قدرات الدولة الوطنية وحدها هي المعيار الأساسي لتمكين هذه الدولة أو تلك من مواجهة هذا الخطر، في ظل انشغال كل دولة بحالها وظروفها الخاصة جداً، وإغلاق الحدود الجوية والبرية في وجه الآخرين، خوفاً من تفشي العدوى وانتشارها.
هذه الأزمة غير المسبوقة عالمياً أعادت بقوة مرة أخرى مفهوم «الدولة الوطنية»، وقدرتها على الحفاظ على مقدراتها ومستقبل شعبها، في ظل التحديات التي يمكن أن تواجهها.
يحسب للرئيس عبد الفتاح السيسي رؤيته المستقبلية، وتأكيده مفهوم «الدولة الوطنية» في وقت كانت فيه قوى عالمية كثيرة متورطة بشكل علني وفاضح في المطالبة بإسقاط الدولة الوطنية، ورغم ذلك فقد تمسك السيسي برؤيته، ودافع عنها بكل قوة من على منصة الأمم المتحدة، وفي كل المحافل الدولية والإقليمية، وطالب بدعم مفهوم «الدولة الوطنية».
واحترام سيادة الدول، وضرورة بناء المؤسسات الوطنية، بما يمكنها من القيام بدورها في الحفاظ على مقدرات شعوبها، والتركيز على دفع جهود التنمية الشاملة، وتحقيق تطلعات مواطنيها نحو مستقبل مزدهر.
تمسك الرئيس السيسي برؤيته ليس من أجل مصر وحدها، وإنما لمصلحة كل شعوب ودول المنطقة، وأثبتت الأيام والأحداث صدق هذه الرؤية، وبها استطاعت مصر أن تنجو من «فخ» كاد يعصف بكيانها، ويحول المنطقة كلها إلى «ركام وحطام» ـ لا قدر الله ـ إذا نجح المخطط الشيطاني وسقطت مصر.
مفهوم الحفاظ على الدولة الوطنية، الذي انتهجته مصر خلال السنوات الست الماضية، هو الذي جعلها قادرة الآن على مواجهة هذا الوباء القاتل، بعد أن دارت عجلة الإنتاج في كل القطاعات، ونجحت خطة الإصلاح الاقتصادي، التي انطلقت منذ 4 سنوات، وبفضل الله أولاً، ثم بفضل هذا الإصلاح الاقتصادي استطاعت الدولة المصرية أن تقف صلبة في مواجهة الأزمة، ولم تمد يدها شرقاً أو غرباً تطلب المساعدة و«النجدة» كما فعلت دول أخرى كثيرة في مواجهة ذلك الوباء الغادر.
على الفور تحركت الحكومة، وخصصت 100 مليار جنيه حزمة أولى لمواجهة تداعيات فيروس «كورونا»، وإلى جوار ذلك كانت هناك حزمة أخرى من المبادرات، أطلقها البنك المركزي، لمساعدة القطاعات المتضررة في الدولة، خاصة السياحة والسفر والصناعة وغيرهما من القطاعات.
في الهايكستب، حيث كان مشهد اصطفاف عناصر ومعدات وأطقم القوات المسلحة المستعدة لمعاونة القطاع المدني في مكافحة «كورونا». هذا المشهد كان ترجمة عملية لمفهوم «الدولة الوطنية» وقوتها حينما تتضافر فيها جهود قواتها المسلحة مع أجهزتها المدنية لمصلحة شعبها، وتتكامل فيها هذه الجهود لسد كل الثغرات المحتملة، وتضع سيناريوهات وخططا بديلة لمواجهة كل الاحتمالات.
شاهدنا نماذج عملية للمستشفيات الميدانية الجاهزة للانتشار بعد إعدادها وتجهيزها، حيث نجحت هيئة الإمداد والتموين، التابعة للقوات المسلحة، في توفير مستشفيات تتسع لأكثر من 500 مريض مبدئياً، وهي المستشفيات المتحركة التي يمكن أن تتم إقامتها في أي مكان على أرض مصر إذا استدعت الضرورة ذلك.
وإلى جوار المستشفيات الميدانية، ظهر المخزون الاستراتيجي من سيارات الإسعاف، وأوتوبيسات نقل المرضى، وأسطول التطهير والتعقيم، والإسعاف الطائر، والطواقم الطبية المدربة على أحدث الوسائل في مواجهة ذلك الوباء اللعين.
ليس هذا فقط، بل إن ماكينة الإنتاج في القوات المسلحة تحركت وبسرعة لتغطية العجز في «الكمامات» و«الأقنعة والبدل الواقية» وكل ما يتعلق بالمستلزمات الطبية اللازمة للطواقم الطبية في التعامل مع المرضى.
ومن هنا جاء انفعال الرئيس السيسي في أثناء جولته التفقدية المفاجئة في مواقع العمل والإنتاج، حينما شاهد العمال يعملون وهم غير مرتدين الكمامات، فكان تأكيده ضرورة توفير الكمامات لكل العمال دون أعباء عليهم، وأن تلتزم الشركات بذلك، لتوفير أقصى درجات الحماية للعاملين.
منظومة عبقرية ورائعة من أجهزة الدولة المصرية بكل قطاعاتها المدنية والعسكرية، أثبتت نجاح مفهوم «الدولة الوطنية» في مواجهة جميع الأزمات وأصعب المواقف منذ ثورة 30 يونيو، ويبقى النصر ـ إن شاء الله ـ على فيروس «كورونا» خلال المرحلة المقبلة بفضل تكاتف الدولة بكل قطاعات المدنية والعسكرية مع شعبها وقيادتها، لتخرج مصر أقوى مما كانت.
* كاتب ومحلل سياسي