لا أدري لماذا تذكرت رواية الأديب العالمي غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز جائزة نوبل في الأدب، «الحب في زمن الكوليرا» هذه الأيام بعد تفشي وباء «كورونا»، وتصنيف منظمة الصحة العالمية له بأنه «وباء عالمي» بعد أن طال كل دول العالم بلا استثناء.

تذكرت تلك الرواية وأنا أتابع الصراع الذي وصل إلى «التلاسن» بين أمريكا والصين، وكل منهما يحاول إلقاء تهمة تفشي المرض على الآخر، وكذلك الصراع الساخن الآن بين الدول الكبرى من أجل الوصول أولاً إلى اللقاح والعلاج، دون أن يكون هناك تنسيق فيما بينها، في محاولة من كل منها استغلال الأزمة، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب.

للأسف الشديد، أثبت وباء «كورونا» هشاشة النظام العالمي، مما دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى مطالبة دول العالم بالتضامن في مواجهة تفشي فيروس «كورونا» المستجد.

مشيراً إلى أن العالم يواجه عدواً مشتركاً، بعد أن أصبح في حالة حرب مع فيروس يقتل الناس، ويهاجم الاقتصاد الحقيقي والتجارة في الصميم، بعد أن أصبحت الكثير من الشركات والدول والمدن في حالة حظر، وتم إغلاق الحدود، وأصبحت معظم الشركات تكافح من أجل البقاء.

المهم أنه دعا قادة العالم إلى الاجتماع من أجل تقديم استجابة عاجلة ومنسقة لهذه الأزمة.

من الضروري أن يستجيب قادة العالم لصرخة «غوتيريش»، قبل أن تتفاقم الأمور أكثر مما هي عليه الآن، والبداية من مجموعة العشرين، التي من المقرر أن تنعقد خلال الأسبوع الحالي أو المقبل على أكثر تقدير، والأهم من انعقاد الاجتماع هو ضرورة أن يتوحّد العالم في مواجهة «كورونا»، بعيداً عن محاولات استثمار الأزمة وحصد المكاسب على أشلاء الضحايا الأبرياء في كل مكان.

وحتى يحدث التنسيق الدولي، فإنه يبقى «كورونا» حالة خاصة لكل دولة على حدة، تقوم بأخذ الخطوات اللازمة لمواجهته، في إطار ظروفها، وحالة تقدير الموقف بها، وربما يكون ما حدث في الصين طاقة أمل لقرب «انقشاع» الأزمة.

حيث تشير الأنباء الواردة من الصين إلى أنه، ولأول مرة، لا يتم تسجيل أي إصابات جديدة الخميس والجمعة الماضيين في مدينة «ووهان» الصينية، بؤرة انتشار الفيروس، بعد شهرين كاملين من إغلاق المدينة، وهو مؤشر يشير إلى إمكان السيطرة على الفيروس القاتل ووقف انتشاره، وإن كان الوقت لايزال مبكراً لإصدار حكم نهائي.

أعتقد أن نجاح التجربة الصينية -إذا تأكدت النتائج - يتطلب دراسة تلك التجربة والاستفادة منها على مستوى كل دولة، خاصة فيما يخص إجراءات العزل والوقاية والعلاج، وهي الإجراءات الأهم في مواجهة الفيروس القاتل.

في مصر، ورغم أنه - بحمد الله - مازالت من أقل الدول المتضررة في هذا الشأن، فقد كانت المواجهة حاسمة وسريعة منذ بدء ظهور أول حالة للفيروس، التي كانت لسائحة تايوانية.

منذ ذلك الحين، أعلنت الدولة بكل أجهزتها الاستنفار العام في مواجهة «كورونا»، ولكن بعيداً عن التهويل والشائعات الكاذبة التي تهدف إلى النيل من الدولة ومؤسساتها المختلفة.

المثيرون للشائعات أكثر سوءاً من تجار الأزمات، لأنهم يخلطون السياسة بصحة البشر، ويريدون هدم الدولة، وبث الرعب في نفوس المصريين، بعيداً عن لغة الحقائق والأرقام.

منذ بداية الأزمة، كانت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي واضحة وقوية كعادته في معالجة الأزمات، وهي الحرص على أرواح المصريين، وبذل كل الجهود لمحاصرة الفيروس القاتل في مهده، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وطبقاً لأحدث المعايير الدولية والعالمية في هذا الإطار.

أعتقد أن الأيام المقبلة ربما ستشهد إجراءات أكثر صرامة، بعد أن تم إيقاف الدراسة، وحظر التجمعات ليلاً في المقاهي والمطاعم والمولات، لكن تظل هناك مشكلة في الوعي العام لبعض فئات الشعب المصري، الذي لايزال يتعامل بعدم وعي يصل إلى درجة الاستهتار مع تعليمات أجهزة الدولة مثل التحايل على غلق المقاهي وأماكن التجمعات الليلية وعدم الالتزام بالبقاء في المنازل.

أيضاً هناك فئة للأسف من تجار الأزمات، خاصة بعض المدرسين ضعاف النفوس، الذين لايزالون يصرون على التحايل على غلق «السناتر» وأماكن الدروس الخصوصية، ويتلاعبون بشكل فج في ذلك الأمر، مما يعرّضهم والتلاميذ لمخاطر العدوى.

كذلك أيضاً السلوك غير الحضاري في تخزين كميات ضخمة من الأطعمة والأدوية غير الضرورية، في وقت تؤكد فيه الحكومة على توافر كل السلع دون الحاجة إلى التخزين.

وعي المجتمع سيكون حائط الصد الأول ضد الفيروس القاتل، ولن تحتاج الدولة وقتها إلى المزيد من الإجراءات التي قد تضطر إليها إذا استمرت حالة الاستهتار من بعض الفئات لتعليمات الوقاية، وعدم الالتزام بمنع التكدس والازدحام.

* رئيس مجلس إدارة الأهرام