وسط انشغال العالم بمتابعة وباء كورونا وتداعياته ومشكلاته، من المتوقع أن يخرج إلى العالم هذا الأسبوع «المولود المشوّه»، كما أطلقت عليه المحكمة العليا الإسرائيلية، معلنةً ميلاد حكومة إسرائيل الجديدة، وتشكيل حكومة برأسين، رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، و«رئيس الوزراء البديل» بيني جانتس.

المحكمة العليا الإسرائيلية فتحت الطريق أمام تشكيل الحكومة الجديدة عندما رفضت الدعاوى الثماني المقدمة إليها ضد الاتفاق الائتلافي بين بنيامين نتانياهو وجانتس، وكذلك الدعاوى ضد السماح لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو بتشكيل الحكومة في ظل الاتهامات القائمة ضده بالفساد، إلا أنها في الوقت ذاته وجّهت سهام النقد إلى هذا الاتفاق الائتلافي، وأكدت أنه «يشبه مخلوقاً مشوهاً، ويثير إشكالات قانونية كبيرة». في الوقت ذاته، وافق الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين على منح بنيامين نتانياهو تفويضاً بتشكيل الحكومة بعد تلقّيه عريضة موقّعة من 72 نائباً تخوّل نتانياهو القيام بهذه المهمة، بمن فيهم حزب كحول لفان برئاسة بيني جانتس، من أجل تشكيل حكومة طوارئ ووحدة وطنية لعرضها يوم الأربعاء المقبل، ليشغل بعدها نتانياهو رئاسة الحكومة لمدة 18 شهراً، قبل أن يتخلى عنها لمصلحة منافسه جانتس، ليكمل باقي المدة المقررة للحكومة.

بهذا تنتهي نسبياً حالة الشلل التي أصابت الحياة الإسرائيلية، وأدت إلى إجراء تكرار الانتخابات البرلمانية مرتين دون أن يتم حسم المعركة الانتخابية لمصلحة أي من المنافسين نتانياهو وجانتس، وهو ما أرغمهما على التفاوض والقبول بحكومة وحدة وطنية خشية الدخول إلى انتخابات ثالثة جديدة في أقل من العام.

كان نتانياهو خلال الانتخابات كالثور الجريح يطلق سهامه على كل من يحاول الاقتراب منه، وأصبح الهاجس الأمني هو مصدر شرعيته الوحيد في محاولة للتشويش على كل ما يثار ضده من اتهامات، ونجح نتانياهو في توجيه الانتخابات إلى حيث يريد، فأصبح الصراع هو صراعاً على المزيد من الانقضاض على حقوق الفلسطينيين، وضم المزيد من الأراضي، ومعركة ضم الأراضي الفلسطينية سوف تشتعل بعد انتهاء تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي وصفتها المحكمة العليا الإسرائيلية بالمخلوق المشوّه، وهذا المولود المشوّه سوف يتحول إلى كائن عدواني مخيف على الحقوق الفلسطينية، وأعتقد أن نتانياهو وجانتس سوف يتسابقان في التهام المزيد من الأراضي الفلسطينية، وسوف يتسابقان أيضاً في إظهار النيات العدوانية تجاه الفلسطينيين وحقوقهم، بعد أن نجح نتانياهو في جذب جانتس إلى المربع نفسه الذي يراهن عليه نتانياهو، وهو الأمن أولاً وأخيراً.

ومن الواضح أن المزاج العام في إسرائيل الآن يميل إلى التطرف والعدوانية الشديدة تجاه الحقوق الفلسطينية يغذيهم في ذلك عدة عوامل داخلية وخارجية.

أبرز هذه العوامل هو التأييد اللامحدود للإدارة الأمريكية لكل المواقف الإسرائيلية مثلما حدث في نقل السفارة الأمريكية إلي القدس وإعلان ترامب مبادرته التي اعترف فيها لإسرائيل بضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية.

ثاني هذه العوامل هو الأوضاع المتردية في المنطقة العربية منذ اندلاع ما يسمى الثورات العربية التي أصابت المنطقة العربية كلها في مقتل، وأدت إلى انهيار العديد من الدول مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق.

ثالث هذه العوامل هو «جائحة كورونا» التي اجتاحت العالم كله، وأدت إلى خسائر اقتصادية هائلة لدول العالم، وأدت إلى المزيد من التباعد الاجتماعي العالمي، فأصبحت كل دولة مشغولة بهمومها الداخلية أكثر من انشغالها بقضايا الآخرين.

هذه العوامل جميعها انعكست على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، لكن يتبقى العنصر الأخطر والأهم، وهو الفلسطينيون الذين يعانون الانقسام والتشرذم منذ أكثر من 13 عاماً.

منذ هذا التاريخ الأسود تراجعت كل مكتسبات الشعب الفلسطيني، وأسهم الانقسام ولا يزال في تصدير صورة عكسية للمجتمع الدولي أضرت كثيراً بالقضية الفلسطينية.

الانقسام الفلسطيني هو الأخطر على مصالح الشعب الفلسطيني من نتانياهو أو جانتس، وبالتالي فإن المصالحة الوطنية هي بداية حل الأزمة، ولن تتحقق تلك المصالحة إلا بإخلاص النيات، والتجاوب مع الجهود المصرية المخلصة لرأب الصدع بين الطرفين، ليكون هناك صوت واحد للفلسطينيين.

* كاتب ومحلل سياسي