هل ما زال مفهوم الدبلوماسية القائمة على أفكار رواد القرن العشرين، ودبلوماسية الحرب الباردة تفرضُ نفسها كما كانت ذي قبل؟ وهل المفهوم نفسه هو ما قال به العديد من مُفكري العلوم السياسية بين القوة الكامنة لدى الدول، وقدرتها على تقديم العطاءات بديلاً عن الحروب والنزاعات، أو كما قال مارك توين تقوم على مبدأ: «الأخذ والعطاء، أعطي واحدة وآخذ عشرة؟».
الدبلوماسية كمفهوم بدأت تدخل عليه عوامل جديدة، تساهم في تغير المفهوم في العلاقات الدولية، وهذا ما ظهر في ظل أزمة كورونا، فلم تعد الدبلوماسية هي القوة الجامحة التي تتحرك من قبل القوى العظمى نحو الدول الأقل قوة أو الأقل تقدماً، وقد يتحول شكل الدبلوماسي من صورة الشخص الأنيق من ذوي الياقات البيضاء، إلى العالم أو الطبيب أو المخترع ذي السترات البيضاء.
في خضم أزمة الوباء العالمي الذي يشهده العالم، أصبحنا نفهم هشاشة العالم الذي نعيش فيه. حيث كشف لنا العدد المتزايد للوفيات يومياً عن مدى ضعف البلدان التي يُنظر إليها أنها من الدول العظمى في مواجهة هذا الفيروس القاتل. وبرز الدور السامي والبطولي للأطباء والكادر الطبي وهم يضعون حياتهم على المحك لمحاربة هذا العدو غير المرئي. وبتنا نشهد بالعلماء والباحثين وهم يقفون إلى جانب أهم قادة العالم لإجراء الإحاطات الإعلامية يومياً، في حين يترقب أفراد المجتمع الإعلان عن التوصل إلى لقاح آمن وفعال.
وبينما نشهد قيام دول العالم جميعها بغلق حدودها واتباع نهج أحادي للحد من تفشي الفيروس، فإنه من المهم أيضاً إنشاء جسر عالمي بين العلماء والباحثين وصانعي السياسات الذين يعملون على مدار الساعة لإيجاد حلول لمساعدة الدول على التعافي في أعقاب أزمة كوفيد 19. في حين أن مفهوم الدبلوماسية العلمية ليس مفهوماً جديداً، ففي ظل الظروف الراهنة عادت إلى الضوء.
حيث تقوم الدول بتبادل المعدات الطبية والبيانات للتحليل والدراسة في ما بينها، وتتيح الدبلوماسية العلمية تعاوناً مفتوحاً بين الدول لنقل المعرفة العلمية وأفضل الممارسات والخبرة الطبية للمساعدة على حل التحديات المجتمعية المتعلقة بالوباء.
من أحد الأمثلة التاريخية للدبلوماسية العلمية، يعود إلى 1300 قبل الميلاد عندما تم توقيع أول معاهدة سلام من قبل ملك مصر رمسيس الثاني وهاتوسيلي الثالث والتي تحث على فتح أطر التعاون بشكل عام والتبادل الدبلوماسي للأطباء على وجه الخصوص. ونظراً لأهميتها، توجد نسخة للمعاهدة في المقر الدائم للأمم المتحدة.
تعد الأوبئة المستقبلية من أكثر التحديات التي ستواجه المجتمعات في القرن الواحد والعشرين، ولذلك فإن من المهم وضع الدبلوماسية العلمية في قلب أواصر التعاون الدولي. واستشرف رجل الأعمال الشهير بيل غيتس في خطابه لعام 2008 في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ضرورة التعاون بين البلدان النامية والعلماء وذلك للتوصل إلى حلول لقاحية وبسعر يمكن لهذه البلدان تحمله.
وتطرق توم فريدمان كاتب عمود في «نيويورك تايمز» لمفهوم يدعم الدبلوماسية العلمية، وهو العالم المسطح، والذي يبنى على المساواة بين الدول الغنية والفقيرة من حيث الفرص والموارد من سهولة استخدام التكنولوجيا والحصول على الخدمات الطبية. وعلى الرغم من أننا لم نشهد نهاية الموجة الأولى لفيروس كوفيد 19، فإن العالم يتوقع موجة ثانية تضرب بالبلدان النامية. وستكون العواقب في هذه المناطق مأساوية بشكل حتمي وكبيرة لأنها تفتقر إلى البنية التحتية الطبية والخبرة الكافية للتصدي للفيروس.
وشهدنا منذ بدء الوباء بالانتشار، وقوف مجموعة من الأطباء الإماراتيين الموجودين في الخط الأمامي إلى جانب زملائهم في البلدان التي يتلقون فيها التدريب والتحصيل العلمي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة. كما استقبلت الإمارات مؤخراً 105 أعضاء طبيين من الهند لتعزيز قوة الخط الأمامي في الدولة لمكافحة فيروس كوفيد 19.
أثبتت الدبلوماسية العلمية أهميتها من خلال تزويد الحكومات المعرفة والأدوات اللازمة لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية في التصدي للأوبئة على وجه الخصوص. وبما أن معظم التكهنات والآراء تصب في أن تفشي الفيروسات في العالم سيتزايد في المستقبل ونحن بحاجة إلى الاستعداد لذلك. يجب على العلماء وصانعي السياسات ومحللي البيانات من جميع أنحاء العالم التعاون أكثر من أي وقت مضى.
* كاتبة إماراتية