5000 متر مربع من الغرف في الطابق الأرضي من الجناح الغربي في البيت الأبيض الأمريكي، والتي هي مشهورة بجدرانها الخشبية ذات اللون الماهوجني والعازلة للصوت، هي المكان الذي يجتمع فيه الرئيس ومستشارو الأمن القومي والدبلوماسيون للتواصل مع وكالات المخابرات من أجل وضع سياستها الخارجية، تُعرف هذه الغرفة باسم «Situation Room».
يعود الأمر إلى عام 1961، حيث وجه الرئيس الأمريكي حين ذاك جون كينيدي إلى إنشائها في البيت الأبيض نتيجة لإحباطه من عملية فاشلة على الساحل الجنوبي الغربي لكوبا.
ثم أصدر الرئيس كينيدي تعليماته في ذلك الوقت بأنه على كل وزارة في قطاع الدفاع تزويد طاقم غرفة العمليات بمعلومات حديثة على مدار الساعة.
هل هذا النموذج القديم من توصل الحكومات إلى اتخاذ قراراتها بشأن سياستها الخارجية، والتي يتم اتخاذها بين جدران مغلقة ومعزولة مع مجموعة محدودة من المستشارين الأمنيين والاستخبارات والدبلوماسيين يناسب التحديات الملحة التي تفرضها علينا المتغيرات الغامضة للقرن الحادي والعشرين؟
يتم تقييم السياسات الخارجية الناجحة بناءً على مستوى المعرفة لدى متخذي القرار ومعدي السياسات، حيث يساهم في اتخاذ قرارات صحيحة وتسخير الأدوات المطلوبة لتحقيق الأهداف.
ولكن التحديات التي نواجهها اليوم وفي المستقبل هي ظهور مجالات جديدة بسرعة لم يسبق لها مثيل من قبل، هل نتوقع أن يمتلك الدبلوماسيون وصانعو السياسات الخارجية المعرفة المطلقة اللازمة لاتخاذ مثل هذه القرارات الحاسمة؟ خاصة عندما لا يساعدك ضيق الوقت في بعض الأزمات وتوجب اتخاذ قرارات سريعة في غضون ساعات أو أيام معدودة عوضاً عن قضاء عام أو عامين في التدريب لاكتساب المعرفة المطلوبة في هذه المجالات الجديدة.
هل بإمكان الحكومات فتح آفاق جديدة لتبني أساليب مستقبلية في المشاركة في تصميم سياساتها الخارجية، وتوظيف الخبراء من مختلف المجالات؟
لقد تم تطوير مفهوم جديد يسمى «Open Situation Room» من قبل نيكولا فورستر في 2014، مستوحاة من فكرة الغرفة التي أنشأها الرئيس جون كينيدي كما أشرت في بداية المقال.
وتم تطوير هذه الفكرة بطلب من الحكومة الألمانية كجزء من تبني نهج جديد لاستكشاف السياسة الخارجية الألمانية. حيث تم تحويل الفكرة من نهج قديم كاجتماعات مغلقة مع عدد محدود من خبراء الأمن القومي إلى نهج جديد ومبدع يحفز حل القضايا الملحة على الساحة السياسية.
ويشارك في هذه الاجتماعات مجموعة من الخبراء في مجالاتهم، من المبتكرين ورواد الأعمال وصانعي السياسات والمهندسين المدنيين والأطباء والمصممين والمبرمجين وأعضاء من المنظمات العالمية، حيث تقوم بالعمل بشكل وثيق مع صناع القرار والدبلوماسيين تحت ضغط لإيجاد حلول مبتكرة لمواجهة التحديات المتزايدة في السياسات الخارجية.
هذه الديناميكية الفريدة من نوعها والتي تخلقها بيئة «Open Situation Room» تسمح لـ 30 من الغرباء عن بعضهم بالتواصل في مجموعات تفاعلية خلال 3 ساعات للخروج بأفكار جديدة وخلاقة.
واستنادًا إلى التحديات، يتم تقسيمهم إلى مجموعات مختلفة، حيث يساهمون في تصميم أنظمة واستراتيجيات، مع إبقاء العين على مهمة واحدة وهدف واحد يجب تحقيقه. ويتم نشر مخرجات هذه الجلسات لبناء الجسور وتوفير الأفكار لصانعي السياسات وأصحاب المصلحة المهتمين بالموضوع ذاته.
أحد الأمثلة الحديثة في تطبيق هذه التجربة أجرتها وزارة الخارجية الألمانية بهدف بحث تعزيز العلاقات بين ألمانيا وإيران في فترة ما بعد العقوبات. حيث الهدف الرئيسي التركيز على الشباب الإيراني المتلهف لتشكيل حقبة ما بعد العقوبات بطريقته الخاصة.
كان المشاركون مجموعة متنوعة من طلبة الثانوية من المدارس الألمانية والإعلاميين والمصممين، وتم بحضور المستشار من السفارة الألمانية في طهران، لتقديم معلومات دقيقة عن الفرص والتحديات التي يواجهها جيل الشباب.
ومن الممكن تنفيذ ذات الآلية في مختلف مجالات السياسات الخارجية مثل المساعدات الإنسانية، من خلال إشراك المنظمات غير الحكومية واللاجئين والمتطوعين ورواد الأعمال لفتح آفاق جديدة. مجال آخر مهم وهو الأمن السيبراني، حيث ربط الجسور بين مصممي البرامج، ومحللي البيانات من أعمار مختلفة يمكن أن يخلق ميزة نوعية في تقصي النقاط العمياء أثناء تصميم السياسات الخارجية للحكومات.
هل لدى الحكومات الجرأة في تبني هذا النهج الحديث في تصميم سياساتها الخارجية طوعاً؟ أم أنه سيتطلب مواجهة أزمة كبيرة يعجزون عن حلها لتبني آفاق جديدة.