عندما سئل «مناحم بيجين» في عام 1980 حول الموقف الإسرائيلي من ردود فعل المجتمع الدولي، إزاء ضم الجولان السورية أجاب «عندما نتخذ القرار سنعرف وأن الإجابة على السؤال سابقة لأوانها، بعد عام واحد أي في 1981 صادق الكنيست على قرار الضم، وحظي القرار آنذاك بإدانة شاملة وفق القرار الصادر رقم 497 عن مجلس الأمن؛ بالإجماع بموافقة إدارة «ريجان».
لو افترضنا جدلاً بأن مثل هذا السؤال يوجه الآن إلى «بنيامين نتانياهو» لأجاب بأن هذا القرار يستند إلى سوابق إسرائيلية لا تتعلق فحسب بالجولان وإنما أيضاً بالقدس الشرقية واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية عليهما، وأن ردود الفعل على الصعيد الدولي يمكن احتواؤها من واقع تجربة إسرائيل مع ردود الفعل العربية والموقف الدولي.
بيد أن هذه الإجابة التي تستند إلى القياس على المواقف السابقة أو المقارنة بها ليست بالضرورة صحيحة، ذلك لأن رهان الضم هذه المرة يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء حل الدولتين المقبول من المجتمع الدولي، قد يكون صحيحاً أن المبدأ واحد في كافة هذه الحالات أي الجولان والقدس والضفة الغربية أي مبدأ الضم والإلحاق وانتهاك القانون الدولي، ومع ذلك فإن الضم المزمع في يوليو الجاري يستهدف شطب حل الدولتين واستكمال المشروع الصهيوني وفق رؤيته اليمينية التصحيحية، ويستند إلى وثيقة الرؤية الأمريكية للسلام.
قرار الضم الإسرائيلي سواء كان شاملاً أو جزئياً سيترتب عليه نتائج غاية في الخطورة على أوضاع الفلسطينيين في المناطق التي تخضع لهذا القرار، فمن زاوية حقوق الإنسان الفلسطيني ووفق مواثيق الأمم المتحدة والتي تتمثل في حرية الانتقال وحق التملك والتمتع بحقوق الهوية والجنسية والرعاية والبقاء في أرضه، ستتعرض جميعها للانتهاك والتقييد، بل ربما ما هو أكثر من ذلك، فهؤلاء المواطنون الفلسطينيون الذين ستضم مناطقهم، ستفرض على مناطقهم السيادة الإسرائيلية وفي الوقت نفسه لن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية، ومن ثم فهم يقيمون بصفة غير شرعية ويحق للسلطات الإسرائيلية اتخاذ ما يلزم من إجراءات، كما أنهم أي هؤلاء المواطنون سيفقدون ممتلكاتهم التي خضعت للضم والمصادرة، كما أن الضم سيطلق يد المستوطنين ومؤسساتهم ومنظماتهم في المناطق التي خضعت للسيادة الإسرائيلية، وهو ما يعني زيادة وشرعنة العنف ضد الفلسطينيين، أما من زاوية الحق في الدولة وتقرير المصير، فإن هذا الضم يجعل من الدولة الفلسطينية مجرد سراب يخلو من الماء، بل يفتح الطريق أمام سياسة «أبارتهايد» رسمية إزاء الشعب الفلسطيني، ويستكمل حلقات العنصرية الإسرائيلية، حيث يصبح أبناء الشعب الفلسطيني معزولين في أماكنهم ولا يستطيعون التواصل مع بعضهم البعض. في الوقت الذي يحظى فيه قرار الضم المزعوم بانتقادات من طيف كبير من المسؤولين السابقين ومراكز الأبحاث، فإن بعض منظري القانون الدولي الإسرائيليين يرون في قرار الضم أنه تطبيق لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 سبتمبر عام 2007 المتعلق بحق الشعوب الأصلية في المساواة والتعويض والثقافة والهوية، باعتبار -ويا للمفارقة- أن اليهود هم الشعب الأصلي الذي كان يقيم في هذه الأرض منذ ما يفوق الثلاثة آلاف عام، وبعكس هذه القراءة المغلوطة والمضللة لهذا الإعلان فإنه ينطبق تمام الانطباق على الشعب الفلسطيني وحقه في التحرر من الاحتلال والمساواة والكرامة التي أهدرها الاحتلال طوال هذه العقود.
قرار الضم المزمع اتخاذه إسرائيلياً سواء كان شاملا أم جزئياً أم رمزياً وفي كافة أشكاله، ليس موجهاً فحسب ضد الشعب الفلسطيني، ولكنه وبنفس الدرجة موجه للمجتمع الدولي والقانون الدولي والعلاقات الدولية والنظام الدولي الحالي الذي لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً مهماً في إرسائه، فهذا القرار اختبار قاسٍ للشعب الفلسطيني وأيضاً للنظام الدولي، حيث سيفقد النظام الدولي مصداقيته وفاعليته، إذا لم يكن رد الفعل بمستوى التحدي الذي تفرضه إسرائيل، ولم تحظَ قضية دولية بعدد من القرارات الدولية بمثل ما حظت به القضية الفلسطينية منذ بدايتها وحتى الآن؛ وإذا أفلتت إسرائيل من العقاب ودفع ثمن هذا القرار فلا شيء يمكنه أن يوقف الفوضى والاضطراب وسياسات القوة والغطرسة في العالم.
* كاتب ومحلل سياسي