الكارثة التي ألمّت بلبنان ألقت بقنبلة ضخمة كاشفة على كل الشعوب العربية الغارقة في مستنقع الفوضى والاقتتال، لكي تفيق من غيبوتها، وتلتف حول دولها الوطنية بعيداً عن الطائفية «المقيتة» والميليشيات «المأجورة» وبارونات الحرب بالوكالة.

كارثة لبنان ليست وليدة اللحظة، وإنما هي عرض لمرض خطير أصاب الجسد اللبناني بالانقسام، والطائفية، والتدخلات الأجنبية، ورويداً رويداً فقدت الدولة اللبنانية جزءاً كبيراً من سيادتها على أراضيها وموانئها ومطاراتها، وأصبح هناك أكثر من رأس للدولة اللبنانية.

مفهوم السيادة للدولة أول ما يعني هو أن يكون لهذه الدولة جيش واحد، وشرطة واحدة، وسيطرة كاملة للدولة على أراضيها ومطاراتها، وموانئها، وبحارها وأجوائها.

دون ذلك تظل سيادة الدولة منقوصة، وهو ما يؤدي إلى وقوع كوارث، وأزمات ضخمة كتلك التي تعرض لها لبنان مؤخراً.

كان اتفاق «الطائف» يهدف إلى إنهاء الحرب اللبنانية، ونجح في ذلك، غير أن أطراف الصراع في لبنان رسخت بعدها مفهوم الطائفية وتحولت الطوائف إلى «دويلات» داخل الدولة.

إذ لا يعقل أن يكون هناك أكثر من جيش في لبنان، وأكثر من شرطة، نتج عنه مناطق نفوذ متعددة، وأصبح هناك من يسيطر على أجزاء من الموانئ والمطارات، وهو أمر بالغ الخطورة، لأنه لا يمكن أبداً أن يستقيم مع تلك الأمور استقرار الدولة اللبنانية.

صرخة غضب أطلقها الكثير من أبناء لبنان الرافضين للطائفية والمحاصصة، وإذا كانت هناك جدية في التعامل مع الأزمة اللبنانية، فلا بد من الاستجابة لنداء الشعب اللبناني بالوحدة والسيادة للدولة اللبنانية وحدها، وإبطال مفعول الميليشيات والطوائف على جميع الأصعدة.

أعتقد أن «العريضة» الإلكترونية التي قام بالتوقيع عليها نحو 40 ألف لبناني، مطالبين بعودة الانتداب الفرنسي ما هي إلا رسالة «يأس» من الحالة المأساوية التي يعيشها الشعب تحت نفوذ الطوائف المتصارعة «سراً» والمتعايشة «علناً» حفاظاً على مصالحهم الخاصة واستمرار وجودهم.

المؤكد أن الموقعين على العريضة هم أول الرافضين للانتداب، ولكل أشكال التدخل في السيادة اللبنانية؛ لأنهم في حقيقة الأمر حينما فعلوا ذلك فعلوه بدافع اليأس من معالجة الأوضاع الحالية التي لا تختلف كثيراً عن الانتداب الأجنبي من وجهة نظرهم على الأقل.

الشعب اللبناني مثل غيره من الشعوب العربية شعب حر محب للحياة، ورافض لكل أشكال التمييز والطائفية ويريد أن يتحرر من تلك القيود البغيضة التي أوقعه فيها بارونات الحروب بالوكالة، وملوك الطوائف والعشائر.

كارثة الطائفية التي حلت بالمنطقة العربية، تغذيها أطراف خارجية، وتعاونها أطراف داخلية «مأجورة». هذه الكارثة تحولت إلى نيران جهنمية كالتي انطلقت من انفجار «مرفأ» بيروت لتلتهم دولاً عربية عديدة، بدءاً من لبنان والصومال، مروراً بالعراق وسوريا وليبيا، وانتهاء باليمن.

كان المخطط الشيطاني يهدف إلى إغراق كل دول العالم العربي في تلك البئر السوداء العميقة، وكانت ثورات «الربيع العربي» وتحويلها إلى خريف لا يطاق، أبرز تجليات ذلك المخطط الشيطاني الرهيب.

ومن يساند الميليشيات والجماعات المسلحة في ليبيا، لهم نفس أجندات وأهداف من يساندون الفوضى والخراب في لبنان والصومال والعراق واليمن وسوريا.

نفس الأهداف، وأن اختلفت الأسماء والدول، فجميعهم يستهدفون استمرار الأوضاع «المأزومة» في العالم العربي، ليظل عاجزاً ومنكسراً، وتظل كل دولة غارقة في صراعاتها المذهبية والطائفية، لتكون غير قادرة على النهوض وتحقيق طموحات وآمال شعبها.

أتمنى أن يكون صوت انفجار مرفأ بيروت ببشاعته، بداية صحوة للشعب اللبناني وكل الشعوب العربية «الغارقة» في مستنقع الاقتتال الداخلي والفوضى، لكي تفيق من غيبوبتها، وتلتف حول دولها الوطنية بعيداً عن الميليشيات والجماعات المسلحة وبارونات الحرب بالوكالة على الأراضي العربية.