على مدى التاريخ كان هناك مزايدون، وعلى مدى التاريخ ثبت أن المزايدين دائماً يخسرون، وعلى مدى التاريخ ثبت أن الإمارات لا تقبل المزايدة. لذلك هي لا تخسر قضية تتبناها لأنها صريحة وواضحة. المزايدون وحدهم يخسرون.
نحن جيل تفتح وعيه على حب فلسطين. نحب أرضها رغم أننا لم نرها، ونعشق هواءها رغم أننا لم نتنسمه، ونشعر أن أهلها هم أهلنا رغم أننا لم نعش معهم على أرض فلسطين الحبيبة، ولم نكن وقت أن تفتح وعينا قد رأينا سوى عدد قليل منهم، أغلبهم من المدرسين الأوائل الذين قدموا إلى الإمارات مع بداية دخول التعليم النظامي إلى إماراتنا التي لم تكن حتى ذلك الحين دولة متحدة.
قرأنا عندما بدأ وعينا يتفتح أن شعب فلسطين تعرض لآلام كثيرة، وأن مؤامرة كبرى قد حيكت ضده.
كان كلما أهل علينا شهر نوفمبر يكون موضوع الإنشاء في صفوف مدارسنا هو الرسالة التي وجهها وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفورد في الثاني من شهر نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد، أحد أبرز وجوه المجتمع اليهودي، لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وأيرلندا، يعدهم فيها بدعم بريطانيا لتأسيس «وطن قومي للشعب اليهودي» في فلسطين ذات الأقلية اليهودية التي لم تكن تتجاوز %5 من إجمالي عدد السكان في ذلك الوقت.
كرّت بعد ذلك علينا دروس التاريخ من الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، إلى قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية فلسطينية ويهودية وتدويل القدس، إلى إعلان الوكالة اليهودية استقلال دولة إسرائيل، إلى حرب 1948 التي انتصرت فيها الميليشيات الصهيونية المسلحة على جيوش 6 دول عربية، وأدت إلى خروج 700 ألف فلسطيني من ديارهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول المجاورة، وتحولهم إلى لاجئين، ومصادرة إسرائيل للبيوت التي هجرها أهلها.
أطلق على عام 1948 عام النكبة، ثم جاءت الطامة الكبرى في شهر يونيو من عام 1967 الذي انتصرت فيه إسرائيل على جيوش ثلاث دول عربية، واستولت على ما تبقى من فلسطين، فاحتلت الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، ليدخل علينا مصطلح جديد ويكون عام 1967 هو عام النكسة.
من النكبة إلى النكسة يمتد طريق من الأحزان شاركنا عبره الشعب الفلسطيني معاناته، ولم تتأخر الإمارات يوماً عن دعم الفلسطينيين، قبل قيام دولة الاتحاد وبعد قيامها.
كان مؤسس الدولة الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، داعماً ومبادراً إلى نصرة الشعب الفلسطيني وقيادته دائماً. وعندما قامت حرب 1973 بادر، عليه رحمة الله، إلى قطع النفط عن دول أوروبا والغرب مساندة للجيوش العربية.
كانت دولة الإمارات دائماً داعمة ومساندة ومطالبة بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وعودة أصحاب الأرض إلى وطنهم المسلوب، وقيام الدولة على الأراضي الفلسطينية التي عاصمتها القدس الشرقية.
جرت مياه كثيرة في نهر القضية الفلسطينية، تعكرت في مراحل كثيرة من الزمن هذه المياه، وتوقفت أحياناً عن الجريان، وفاضت أحياناً فأغرقت أراضي كثيرة وشردت جموعاً كبيرة.
ورغم هذا كله بقيت دولة الإمارات وفية لموقفها الصادق من القضية الفلسطينية، رغم تبدل قياداتها، وتنكر بعض هذه القيادات لمواقف الإمارات الثابتة، ورغم الصراعات التي نشبت بين هذه القيادات، والانقسامات التي حدثت بينها، حتى ضاعت القضية الفلسطينية، وتراجعت وأصبحت في مراتب متأخرة لدى كثير من الشعوب العربية التي انشغلت بمشاكلها وأوضاعها الداخلية المضطربة، بل لدى الطلبة الذين لم تعد تواريخ مثل وعد بلفور أو النكبة أو النكسة تحتل مكاناً في مواضيع الإنشاء التي يطلب منهم مدرسوهم كتابتها.
ضاعت القضية الفلسطينية وتفرق دمها بين القبائل والفصائل والميليشيات والأحزاب والجماعات والدول المتاجرة بالقضية. وكانت إسرائيل المستفيد الأكبر من هذه الحروب والخلافات والاستقطابات والمتاجرة بالقضية.
استغلت إسرائيل الخلافات بين القيادات الفلسطينية واستفادت من تشرذم الدول العربية، فأعلنت خطتها لبسط سيادتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويوم الخميس الماضي أعلنت دولة الإمارات اتفاقها مع الولايات المتحدة وإسرائيل على تجميد قرار ضم الأراضي، في إطار مسعى يؤدي إلى حل الدولتين.
ظهر المزايدون كعادتهم ليملؤوا الدنيا صراخاً وعويلاً، لكن مواقف دولة الإمارات الثابتة لا تقبل المزايدة، وخطها الواضح لا يقبل التشكيك. نقولها ونضع نقطة في نهاية السطر.