سبعة عقود مضت منذ إنشاء الأمم المتحدة في يونيو 1945، حيث تم التوقيع على الميثاق في مؤتمر في سان فرانسيسكو، بقيادة كل من بريطانيا والصين والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.

نهضت الأمم المتحدة من رماد الحرب العالمية الثانية لتحقيق السلام والأمن العالميين كمبدأ رئيسي لها.

إذا تعلم العالم أي شيء من الأشهر العشرة الماضية، فسيكون من أهمية (Multilateralism) والترابط العالمي.

حيث أظهر لنا وباء فيروس «كورونا» المستجد أن اتباع نهج الانغلاق يؤدي إلى عواقب وخيمة، على سبيل المثال اضطراب في حركة الأفراد والسلع، حيث امتد الضرر ليمس قطاعاتٍ حيةٍ مثل السياحة والتبادل التجاري وسلسلة التوريد.

وفقاً لبحث أجراه مركز (Pew) للأبحاث، يعيش 91 % من سكان العالم في بلدان تفرض قيوداً على الركاب القادمين من بلدان أخرى.

ومن المتوقع حدوث انخفاض مماثل في التجارة العالمية بنسبة 27% في الربع ال الثلاثة السابقة، وذلك بناءً على مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD). وبينما تغلق كل دولة حدودها لمحاربة الفيروس، يخلق ذلك نهج العزلة في مكافحة الوباء، ويقلل من التعاون الدولي، مؤدياً إلى مستقبلٍ غامضٍ اقتصادياً وسياسياً، ويبدو الأمر وكأننا نتعثر في الظلام.

لا يمكننا أن نتناول موضوع التعاون الدولي ولا نذكر الأمم المتحدة، خاصة أنها تزامنت مع الذكرى السنوية الخامسة والسبعين خلال شهر سبتمبر الماضي.

اليوم، وبمشاركة 193 عضواً في هذه المنظمة العالمية، حققت هدفها في وقف الحرب ومنع أي قوى كبرى أخرى من قرع طبول الحرب. ومع ذلك، وفي سن الخامسة والسبعين وهي تواجه جائحة عالمية، فإنه يتطلب من الأمم المتحدة إعادة تحديد أهدافها ومبادئها لتظل ذات صلة في عالم ما بعد «كوفيد 19» والذي يطمح إلى المساواة وحماية البيئة، وهو طلب ملحّ جداً من قبل قادة العالم.

أعرب قادة العالم عن مخاوفهم في الاجتماع الخامس والسبعين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي كان فريداً بطبيعته من خلال عقده عبر مقاطع فيديو مسجلة مسبقاً من رؤساء الدول موجّهة إلى المجتمع الدولي.

واحد من الخطابات الرئيسية، والذي أدلت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي شددت خلال كلمتها على أن «الأمم المتحدة لا يمكن أن تكون فعّالة إلا بقدر اتحاد وفعالية أعضائها»، وحثت على بذل جهود جديدة لإيجاد حلول مشتركة. مثال آخر لرئيس جمهورية سيشيل داني فور، يسلط الضوء على القضايا المثيرة للقلق مثل تغيّر المناخ الذي لا يعرف حدوداً. وقال فور: «أؤكد لكم أن الدول الأصغر والأفقر والأضعف يمكنها المساهمة بأفكار مبتكرة.. مثل أكبر وأغنى وأقوى الدول».

وبينما يتوجب على الأمم المتحدة إعادة تشكيل نفسها من خلال تضمين أنظمة مرنة ومبتكرة، يجب أن نعترف بالتالي:

أولاً: العالم غير مستعد لغياب الأمم المتحدة كواحدة من المنظمات الدولية البارزة في التاريخ الحديث. حيث إنها منصة رائدة لتقديم المساعدة لأكثر الفئات ضعفاً، ما يقارب 60 مليوناً في جميع أنحاء العالم. يجب أن نعترف أيضاً بنجاح معاهدة عدم الانتشار، التي حالت دون حصول العديد من الدول على أسلحة نووية فتاكة.

ثانياً: قد يقول البعض إن الأمم المتحدة لا تزال عالقة في عام 1945، خاصة مع بقاء فرنسا وبريطانيا كعضوين دائمين في مجلس الأمن، مع ممثل دائم واحد فقط من قارة آسيا (الصين) ولا يوجد تمثيل دائم من الشرق الأوسط (والذي يعتبر منطقة غير مستقرة) وأمريكا اللاتينية.

أخيراً: والأهم من ذلك كله، الميزانية، والتي يتم المساهمة بها من قبل جميع الدول الأعضاء، حيث يمكن للدول التي تساهم بنسبة أعلى من الميزانية تحديد سير المساعدات لدول معيّنة والتأثير بناءً على مصالحها الوطنية. وبات التمويل أكثر صعوبة في عالم ما بعد «كوفيد 19»، حيث تقوم غالبية الدول بتخفيض ميزانياتها، وتعتبر واحدة من العوائق العديدة التي ستواجه الأمم المتحدة للمواصلة في عملياتها.

تمتلك الأمم المتحدة خمسة وسبعين عاماً من الخبرة الغنية في التعامل مع التحديات العالمية من الفقر والجوع والبيئة، وتخوض الآن نقطة تحول عظيمة، وقد تواجه صعوبة في التنفس لإطفاء شموعها الخمس والسبعين.

* باحثة وكاتبة إماراتية في مجال العلاقات الدولية